كلام ن ص رالله يُقرأ من أكثر من زاوية
كلام ن ص رالله يُقرأ من أكثر من زاوية
في كل مرّة كان يدلي فيها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله بدلوه كانت التعليقات من “هبّ ودبّ” تملأ مواقع التواصل الاجتماعي من بينها ما كان أصحابها يؤيدونه في كل كلمة يقولها ويبصمون له بـ “العشرة”، ومنها ما كان قائلوها ينتقدونه على طريقة “عنزة ولو طارت”، ومنها أيضًا ما كان مفندّو كلامه يتناولونه بكل موضوعية وشفافية مبيّنين ما فيها من إيجابيات وما فيها من سلبيات. لكن كلامه هذه المرّة الذي جاء بعد استشهاد أكثر من ثلاثين شخصًا ينتمون إلى بيئة “المقاومة الإسلامية” وجرح أكثر من أربعة آلاف في اعتداء لم نشهد له مثيلًا في تاريخ الحروب باستثناء اللجوء إلى تسميم مياه الشفة في غزة المنكوبة، قوبل بأكثر من تعليق، ومن قِبل أكثر من طرف، حتى أن الذين اعترضوا على ربط “حزب الله” الساحة اللبنانية بغيرها من الساحات الإقليمية تهيبوا الموقف، ولامست تعليقاتهم حدود الموضوعية احترامًا للدماء التي سيلت في غير موقعها الطبيعي. ولكن هذا لا يعني أن الغموض في كلام نصرالله لم يفاجئ القريبين قبل البعيدين. وكان محل تحليل من زوايا مختلفة.
Advertisement
تفاصيل مثيرة… كيف علمت إسرائيل بـ”اجتماع الضاحية الجنوبية”؟
حزنٌ شديد… كارين رزق الله تخسر أعزّ الناس: فلترقد روحك بسلام يا بطلي (صور)
فالمؤيدون، وكعادتهم، رأوا في هذا الغموض ما يزيد من قلق العدو نتيجة عدم معرفته بما ينوي “حزب الله” القيام به، وأن ما لدى “المقاومة” من مفاجآت قد يجعل الإسرائيليين يعيشون على أعصابهم إلى حين يأتيهم الرد من حيث يحتسبون أو لا يحتسبون، خصوصًا أن ما أقدموا عليه مؤخرًا قد أفسح في المجال أمام “الحزب” ليذهب إلى أبعد الحدود في الإمكانات المتاحة له في عمليات الرد، التي يُعتقد أنها ستكون غير تقليدية وغير مقيدة لا بالزمان ولا بالمكان، على قاعدة “العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”.
أمّا الذين قرأوا الخطاب من وجهة نظر مختلفة ومغايرة عن نظرة المؤيدين فرأوا فيه إقرارًا بواقع فرضته الأحداث والتطورات الأخيرة، وهو ينطلق من فرضية تفوّق
إسرائيل في الوسائل التكنولوجية، التي تسخّرها لأغراض عسكرية ومخابراتية، الأمر الذي يوحي بأن الحرب الوشيكة لن تكون تقليدية كالحرب التي شنتها ضد لبنان في العام 2006، حيث تكبدّت خسائر فادحة عندما توغلت برًّا في اتجاه الأراضي اللبنانية، خصوصًا أن تل أبيب تأخذ في الاعتبار الإمكانات العسكرية الضخمة، التي يمتلكها “حزب الله”، وبالأخص الأسلحة المضادة للدروع، والتي أثبتت فعاليتها في حرب تموز.
وفي اعتقاد هذه الفئة من المعلقين والمحللين أن كلًا من إسرائيل و”حزب الله” يخفيان ما لديهما من خطط مواجهة، وينتظران بعضهما البعض على “كوع المفاجآت”، التي ستشكّل نقطة تحّول في مسار الحرب الوشيكة، والتي يرون أنها واقعة لا محال بعدما بلغت الأمور حدًّا لم يعد أحد من طرفي الصراع قادرًا على التراجع قيد أنملة، إذ أن أي خطوة ناقصة من كلا الطرفين قد تكون مكلفة جدًّا، وأي خطوة من الآن وصاعدًا ستكون مشبعة درسًا ومحسوبة النتائج، خصوصًا بالنسبة إلى “حزب الله”، الذي بدأ ينتابه هاجس التفوق التكنولوجي، مع تراجع ملحوظ في وسائط تواصله الداخلي، مع ما لعنصر سرية الاتصالات من أهمية في إدارة المعارك أو التحضير لها.
من هنا يسود اعتقاد، وإن غير مؤكد، لدى القيادة العسكرية ل”حزب الله”، بأن إسرائيل ستحاول الاستفادة بقدر ما تستطيع إلى ذلك سبيلًا من ثغرة التواصل الدقيق بين العناصر المقاتلة وقيادة العمليات المركزية، إلا ان ما لدى “الحزب” من خبرة واسعة في مجال الاتصالات الأرضية التقليدية ستتيح له الانتقال سريعًا إلى خطط بديلة أمنة أكثر من أي وسيلة أخرى، وهي محصّنة بسرية تامة وغير قابلة للاختراق تحت أي ظرف من الظروف.
ويبقى أن إسرائيل، على ما يبدو، ماضية في مخططها الهادف إلى جر “حزب الله” إلى حرب مواجهة، وما استهدافها القيادي إبراهيم عقيل، ومعه نخبة من مسؤولي كتيبة “الرضوان” سوى امعان في استفزاز “الحزب”، الذي لا يزال حتى هذه اللحظة متمالكًا على رغم كل ما يتعرّض له من ضغوط داخلية وخارجية.
لبنان 24