هل ينجح “حزب الله” في “تنظيف” بيئته من العملاء
بعدما استهدفت اسرائيل أحد أبرز القادة الميدانيين الحاج فؤاد شكر وضع الأمين العام لـ ” حزب الله” السيد حسن نصرالله عملية الاغتيال في خانة ” الانجاز” لعدو لا يقيم وزنًا لكل الأعراف الدولية، ويستبيح كل المحرمات. ولكن “سيد المقاومة” قال بأن هذه العملية وعلى رغم جسامتها، لم تزعزع قواعد “المقاومة” القائمة على تراتبية تسلسلية في المسؤولية، على قاعدة أن كل مسؤول قيادي معرّض للسقوط في المعارك، التي تُخاض ضد عدو لا تعني له “قواعد الاشتباك” أي شيء على الاطلاق، والتي أصبحت فعلًا ماضيًا ناقصًا، ويعمل بكل ما أوتي من قوة ضغط على جرّ خصمه إلى اشتباك يرتقي إلى مرتبة الحرب الشاملة والواسعة. فبعد سقوط القيادي عماد مغنية، تم تعيين خلف له على قدر عال من المسؤولية، وكذلك الأمر بعد اغتيال شكر، وهذا ما سيحصل بعد سقوط قائد قوة “الرضوان” القيادي ابراهيم عقيل المعروف باسم “تحسين”، وهذا ما تم استدراكه بعد اغتيال طالب سامي عبدالله قائد “وحدة نصر” الذي اشتهر بلقب “الحاج أبو طالب”، والقيادي في “كتيبة الرضوان” وسام طويل المعروف باسم “الحاج جواد”، وعلي حسين برجي قائد وحدة الطائرات المسيرة في “حزب الله”.
فبهذه الأعصاب الباردة يحاول “حزب الله” إفهام إسرائيل بأن ما تقوم به من استهدافات لقيادييه الميدانيين لا يرعبه، ولا يضعف ثقة المقاتلين بأنفسهم وبقادتهم، وهم في الأساس عندما التحقوا بصفوف المقاومة كانوا يعرفون سلفًا أن مصيرهم سيكون في يوم من الأيام السير في طريق الشهادة، وهم لذلك لا يهابون الموت، ولأنهم كذلك يهابهم الآخرون. لكن هذا لا يعني أنه عندما يسقط الشهداء الواحد تلو الآخر لا يكون لهذا السقوط التأثير السلبي على معنويات المقاتلين العاديين، خصوصًا عندما يكون المستهدف من عمليات الاغتيال قادة أمثال فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وغيرهما من القادة الميدانيين. وهذا أمر طبيعي لأن للمقاتل في نهاية الأمر احاسيس ومشاعر مثله مثل أي انسان عادي آخر، وإن كان المقاتل يخضع لدورات تدريب قاسية تجعله قادرًا على تخطي مشاعره نظريًا.
فاستهداف القادة العسكريين في صفوف “حزب الله” ليس بالأمر الذي يسهل تقبّله باعتبار أن هؤلاء القادة الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه احتاجوا إلى الكثير من التدريب وكسب المهارات، وهو ما لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يتطلب ذلك سنوات من تراكم الخبرات والتجارب وصقل المهارات بالعلم والجهد اليومي. لكن هذا الموضوع لا يقلق القيادة المركزية لـ “الحزب” لأن البدائل حاضرة وجاهزة دائمًا، وإن كانت خسارة الكفاءات لا تقدّر بثمن ولا يمكن تعويضها بسهولة. أمّا ما يقلقه أكثر من أي خطر آخر فهو عدم تمكّنه من كشف العملاء، الذين يزّودون العدو الإسرائيلي بمعلومات دقيقة للغاية عن تحرّك القادة الأمنيين، وهم، أي العملاء يسرحون ويمرحون على هواهم في منطقة يُفترض أن تكون خاضعة لإجراءات مشدّدة يتخذها “الحزب” لكشف أكثر من ثغرة يستفيد منها العدو الإسرائيلي في تنفيذ عملياته الأمنية في مختلف المناطق الحسّاسة، والتي كان “الحزب” يعتقد أنها محصّنة داخليًا، وأنه من الصعب جدًّا اختراقها مخابراتيًا، إلا أن تل أبيب بما تملكه من معلومات مخابراتية ومن وسائل تتبع متطورة جدًّا استطاعت استهداف أكثر من قيادي حزبي وأكثر من موقع استراتيجي.
وعلى رغم كل التدابير الاحترازية والوقائية التي تتخذها القيادة العسكرية في “حزب الله” لحركة الاجتماعات والتنقلات لهؤلاء القادة المستهدفين فإن إسرائيل أثبتت من خلال عملياتها الدقيقة أنها قادرة على رصد كل حركة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. إنه أمر مقلق بالفعل ويدعو إلى الريبة والشك، لأن هؤلاء العملاء الذين هم من الداخل أخطر بكثير من عملاء الخارج، وعملهم هذا يُعتبر خيانة عظمى، وهي من أخطر ما يمكن أن تواجهه أي مقاومة ضد أي عدو.
فهل سينجح “حزب الله” في “تنظيف” بيئته من الملاء المدسوسين في الداخل، وهم أخطر من أعداء الخارج؟