الأهداف موجودة في منازلنا … انتبهوا إليكم التفاصيل
بالنسبة لخبراء الأمن السيبراني كشفت هجمات إسرائيل القاتلة على الحزب، عبر تفجير مئات أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي، الثنائيّة الاتجاه، عن تهديد خطير حذّروا منه لسنوات، وهو أنّ “سلاسل التوريد الدولية للمعدّات الإلكترونية المحوسبة تعرّض البشر للخطر. وليس من وسيلة جيّدة للدفاع عن أنفسهم”.
بروس شناير، وهو خبير في تكنولوجيا الأمن معروف على المستوى الدولي، وُصف بأنّه ” غورو Guru أمنيّ”، لا يرى أيّ جديد استثنائي في تفجيرات “البيجر” ضدّ الحزب، “إذ إنّ التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل لاختطاف سلسلة إمداد دولية ودمج متفجّرات بلاستيكية في أجهزة الحزب هي تكتيكات استخدمت لسنوات. والجديد هو أنّ إسرائيل جمعتها معاً بطريقة مدمّرة للغاية، بل ومبالغ بها. وهذا يسلّط الضوء على شكل مستقبل المنافسة بين القوى العظمى، في زمن السلم وزمن الحرب، والمنطقة الرمادية المتوسّعة باستمرار بينهما، حيث لن تكون الأهداف إرهابية فقط، بل موجودة في كلّ مكان. فأجهزة الكومبيوتر لدينا معرّضة للخطر. وكذلك سياراتنا وثلّاجاتنا ومنظِّمات الحرارة في منازلنا والعديد من الأشياء المفيدة الأخرى في مداراتنا أصبحت عرضة للخطر”.
تاريخ شحنات شبيهة بـ”تفجيرات البيجر”
شناير، وهو محاضر في السياسة العامّة في كلّية كينيدي بجامعة هارفرد، ومؤلّف كتاب “عقل القراصنة (الهاكر): كيف يثني الأقوياء قواعد المجتمع، وكيف نثنيهم في المقابل؟”، يفسّر رأيه حول حصول عمليات مماثلة للعملية الإسرائيلية بالقول:
– إنّ العنصر الأساسي للعملية الإسرائيلية، زرع المتفجّرات البلاستيكية في أجهزة البيجر والراديو، كان يشكّل خطراً إرهابياً منذ حاول ريتشارد ريد، الذي أطلق عليه اسم “مفجّر الحذاء”، تفجير بعض المتفجّرات على متن طائرة في عام 2001. وهذا هو الغرض الذي صُمّمت أجهزة المسح الضوئي في المطارات للكشف عنه. حتى كمّية صغيرة يمكن أن تسبّب ضرراً كبيراً.
– وإنّ الاغتيال باستخدام جهاز شخصي ليس جديداً أيضاً. فقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك ضدّ صانع قنابل من حماس في عام 1996، وضدّ ناشط من فتح في عام 2000. وقد قُتل الاثنان بواسطة هواتف محمولة مفخّخة تمّ تفجيرها عن بعد.
– وإنّ العنصر الأكثر تعقيداً من وجهة نظر لوجستية، أي مهاجمة سلسلة توريد دولية لتعريض المعدّات للخطر على نطاق واسع، هو أمر فعلته الولايات المتحدة بنفسها، وإن كان لأغراض مختلفة. وذلك حين اعترضت وكالة الأمن القومي معدّات الاتصالات أثناء النقل وعدّلتها، ليس لأغراض مدمّرة لكن للتنصّت. وكشفت وثيقة سنودن أنّ الوكالة فعلت هذا لجهاز توجيه من ماركة “سيسكو”، مخصّص لشركة اتصالات سورية. ولم تكن هذه العملية الوحيدة من هذا النوع التي قامت بها الوكالة.
– وأخيراً فإنّ إنشاء شركة واجهة لخداع الضحايا ليس تطوّراً جديداً. فقد أنشأت إسرائيل شركة وهمية لإنتاج وبيع أجهزة محمّلة بالمتفجّرات للحزب. قبلها، في عام 2019، أنشأ مكتب التحقيقات الفدرالي شركة تبيع هواتف محمولة آمنة للمجرمين، ليس لاغتيالهم، لكن للتنصّت عليهم ثمّ اعتقالهم.
أميركا نفسها معرّضة للخطر
خلاصة تحليل شناير الذي نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ سلاسل التوريد لدينا معرّضة للخطر، أي أنّنا جميعاً معرّضون للخطر لأنّه يمكن لأيّ شخص أو دولة أو مجموعة أو فرد، يتفاعل مع سلسلة توريد عالية التقنية، أن يخرّب المعدّات التي تمرّ عبرها. وقد يكون ذلك بغرض التنصّت أو بهدف إتلافها أو تعطيلها عند الضرورة. بل ويمكن على الرغم من صعوبة الأمر تخريبها بهدف القتل.
يحذّر شناير من أنّ “الأجهزة الشخصية المتّصلة بالإنترنت، والدول التي تستخدمها بكثافة مثل الولايات المتحدة، معرّضة للخطر بشكل خاصّ.
– ففي عام 2007، أثبت مختبر أيداهو الأميركي أنّ الهجوم الإلكتروني قد يتسبّب في انفجار مولّد كهربائي عالي الجهد.
– وفي عام 2010، دمّر فيروس كومبيوتر يُعتقد أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل طوّرتاه بشكل مشترك أجهزة الطرد المركزي في منشأة نووية إيرانية.
– كذلك في عام 2017، تضمّن تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيانات حول إمكانية اختراق السيارات عن بعد، وزعمت ويكيليكس أنّه يسمح بـ “اغتيالات لا يمكن اكتشافها تقريباً”.
– وفي عام 2015، سمح صحافي من مجلّة “وايرد” Wired لقراصنة بالسيطرة على سيّارته عن بعد أثناء قيادتها، وقاموا بتعطيل المحرّك أثناء وجوده على الطريق السريع.
الغرب يخشى من معدّات الصّين
وفقاً لشناير “بدأ العالم بالتكيّف مع هذا التهديد. ويزداد حذر العديد من البلدان من شراء معدّات الاتّصالات من بلدان لا تثق بها. تحظر الولايات المتحدة ودول أخرى أجهزة التوجيه الكبيرة من شركة هواوي الصينية خشية استخدامها للتنصّت، والأسوأ من ذلك تعطيلها عن بُعد في وقت تتصاعد فيه الأعمال العدائية”.
في عام 2019، ساد الذعر بشأن عربات مترو الأنفاق المصنوعة في الصين التي ربّما تمّ تعديلها للتنصّت على ركّابها. وليست المعدّات الجاهزة فقط التي تخضع للفحص. قبل أكثر من عقد من الزمان، حقّق الجيش الأميركي في المخاطر الأمنية المترتّبة على استخدام الأجزاء الصينية في معدّاته. وفي عام 2018، كشف تقرير نشرته “بلومبرغ” أنّ المحقّقين الأميركيين اتّهموا الصين بتعديل رقائق الكومبيوتر لسرقة المعلومات.
غير أنّ المشكلة التي يصعب حلّها هي، بحسب شناير، أنّ “كيفية الدفاع ضدّ هذه الهجمات وغيرها ليست واضحة. فسلاسل التوريد عالية التقنية لدينا معقّدة ودولية”. ويعتقد أنّ “الحزب لم يكن قلقاً من كون أجهزة الاتصال التي يستخدمها جاءت من شركة مقرّها المجر وحصلت عليها من تايوان، لأنّ مثل هذا الأمر طبيعي تماماً. فمعظم الأجهزة الإلكترونية التي يشتريها الأميركيون تأتي من الخارج، بما في ذلك هواتف آيفون، التي تأتي أجزاؤها من عشرات البلدان قبل تجميعها في الصين في المقام الأوّل. ولا يمكن أن نتخيّل أنّ واشنطن ستصدر قانوناً يطالب بصنع أجهزة iPhone بالكامل في الولايات المتحدة. فتكاليف العمالة مرتفعة للغاية. وسلاسل التوريد لدينا دولية بشكل عميق للغاية، وتغيير ذلك يتطلّب إعادة الاقتصادات العالمية إلى ثمانينيات القرن العشرين”.
إذاً ماذا سيحدث الآن؟
يستبعد شناير “أن يتمكّن قادة الحزب وعملاؤه بعد الآن من الوثوق بالمعدّات المتّصلة بشبكة، والتي يرجّح أن تكون أحد الأهداف الرئيسية للهجمات. وسيتعيّن على العالم الانتظار ومعرفة هل لهذا الهجوم أيّ آثار طويلة المدى أو كيف ستردّ الجماعة. ولكن الآن بعدما تمّ تجاوز الخطّ، فمن المؤكّد أنّ بلداناً أخرى ستبدأ بالنظر إلى هذا النوع من التكتيك باعتباره ضمن الحدود، ويمكن نشره ضدّ جيش أثناء الحرب، أو ضدّ مدنيين في الفترة التي تسبق الحرب”. وفي رأيه أنّ البلدان المتقدّمة مثل الولايات المتحدة ستكون عُرضة للخطر بشكل خاصّ، وذلك ببساطة بسبب العدد الهائل من الأجهزة المعرّضة للخطر التي تمتلكها.
إيمان شمص – الاخبار