إسرائيل تواجه “ثلاثة تحديات رئيسية” بحربها ضد حزب الله
في ظل التصعيد المتسارع بين إسرائيل وحزب الله، تثار تساؤلات بشأن جاهزية الجيش الإسرائيلي لمواجهة شاملة على الجبهة الشمالية، بعد أشهر من انخراطه في عمليات عسكرية مكثفة في قطاع غزة، فرضت عليه تحديات عسكرية ولوجيستية غير مسبوقة.
وذكر تحليل لمجلة “فورين أفيرز”، أن إسرائيل تواجه “ثلاثة تحديات رئيسية” قد تعقّد قرارها بشن حرب واسعة النطاق ضد حزب الله، إثر أشهر طويلة من المعارك المعقدة في قطاع غزة ضد حركة حماس.
وتبقى أولى هذه التحديات، بحسب المجلة الأميركية، “النقص الحاد” في المعدات، وتشير المجلة إلى اعتراف الجيش الإسرائيلي، في تمّوز الماضي، بوجود عجز في الدبابات نتيجة الأضرار التي لحقت بها في القطاع الفلسطيني، ويمتد هذا النقص ليشمل الذخيرة وقطع الغيار بسبب ضغوطات على الإمداد.
ويبقى التحدي الثاني، بحسب فورين آفيرز، معاناة الجيش من “إرهاق متزايد” ناتج عن القتال في القطاع المحاصر منذ السابع من تشرين الأول الماضي، إذ كشف تقرير لمنظمة إسرائيلية في حزيران، أن 10 آلاف جندي احتياط طلبوا دعما نفسيا.
وبحسب المنظمة الإسرائيلية، فقد جرى تسريح آلاف من أفراد الجيش من وظائفهم المدنية، وأغلقت نحو ألف شركة يديرها جنود احتياط، كما أفادت بأن عددا كبيرا من جنود الاحتياط لم يعودوا إلى الخدمة بعد استدعائهم للمرة الثانية أو الثالثة بـ”سبب الإرهاق”.
وذكرت أن هذه الحالة لا تقتصر على قوات الاحتياط، بل تمتد لتشمل القوات العاملة أيضا، مما دفع أربعة من كبار قادة الجيش للاجتماع مع رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، في تموز الماضي، للتحذير من وضع قواتهم.
واعتبر التحليل أن هذه التحديات، تلقي بظلالها على الاستعداد العملياتي للجيش الإسرائيلي وقدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية خلال هجومه شمالا، ويخلص إلى أن “من الخطورة، فتح جبهة قتال ثانية، حيث تخاطر إسرائيل بتوريط جيشها في سيناريو يتجاوز قدراته الحالية”.
في تعليقه على الوضع الراهن للقوات الإسرائيلية، يشدد المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، على أن توقيت الحرب لا يكون دائما مثاليا، ولو حتى بعد فترات طويلة من الهدوء، مشيرا إلى أن الاستعدادات العسكرية تستنزف موارد كبيرة ونادرا ما تكون كل الظروف مكتملة بشكل مثالي.
لكن شتيرن، يؤكد في تصريحه لموقع “الحرة” أن إسرائيل اختارت استراتيجية هجومية تجاه حزب الله وفتح الجبهة بشكل كامل، مستندة إلى “جهوزية قواتها واستعدادها التام”.
ويوضح أن خيار التصعيد في الشمال يأتي بعد انحسار نسبي للمعارك في غزة وإعادة تموضع للقوات الإسرائيلية، رافضا القول بأن هذه الأخيرة “تعاني من الإرهاق أو منهكة بسبب الحرب في غزة”.
في المقابل، يوضح الخبير الاستراتيجي اللبناني، خليل الحلو، أن تأثيرات المعارك في غزة على القوات الإسرائيلية “ستكون ملموسة”، مشيرا إلى “إلحاح الجيش الإسرائيلي على طلب فترة هدنة في وقت سابق، لإعادة تنظيم صفوفه”.
ويوضح الحلو في تصريح لموقع “الحرة” أن هناك ست فرق عسكرية إسرائيلية، كل منها تضم 8 آلاف جندي، ثلاث من هذه الفرق ظلت ثابتة على الحدود منذ البداية، بينما قاتلت الثلاث الأخرى في غزة خلال الأشهر الماضية.
وبعد حوالي عام من المعارك ضد حركة حماس في قطاع غزة على حدودها الجنوبية، حوّلت إسرائيل تركيزها إلى الحدود الشمالية التي يطلق حزب الله عبرها صواريخ على إسرائيل دعما لحماس.
وبشأن ما إن كانت إسرائيل ستواصل الضربات الجوية أم ستتجه نحو خيار التوغل البري، يقول المحلل الإسرائيلي، إنه “لا يستبعد لجوءها أيضا إلى خيار الاجتياح، مع إقراره بالتكلفة الباهظ لهذه الخطوة”.
ويشير شتيرن إلى أن القيادة الإسرائيلية تفضّل إلى الآن تجنب الاجتياح البري للبنان، نظرا للمخاطر الكبيرة التي قد يتعرض لها الجنود، مضيفا أن حزب الله استعد لهذا السيناريو على مدى 18 عاما، ويتمتع بميزة التمركز على أرضه.
ويشير المحلل إلى أن إسرائيل قد تلجأ إلى المسارات الدبلوماسية كـ”خيار مفضل”، غير أنه يحذر من أن “تصلب موقف حزب الله ورفضه لأي مبادرات دبلوماسية قد يدفع في النهاية نحو خيار الاجتياح البري، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر وتكاليف”.
في السياق ذاته، أوضح تحليل فورين آفيرز، أن المخططين العسكريين في الجيش الإسرائيلي يدركون جيدا أن “قدرات حزب الله القتالية المتقدمة وترسانته الأسلحة المتطورة، ستجعل حملة غزة تبدو كلعبة أطفال بالمقارنة”.
واعتبر التحليل أن من شأن ترسانة حزب الله من الصواريخ والمسيرات، أن “ترهق القدرات الدفاعية لإسرائيل، خاصة عندما تتحول الأهداف من المناطق العسكرية إلى المدنية”.
وأشار الخبير الحلو إلى أن إسرائيل قد فتحت الجبهة مع لبنان، معتمدة بشكل أساسي على سلاح الجو في “حرب استنزاف”، مضيفا أن الإجابة على السؤال المطروح بشأن مدى جاهزية الجانب الإسرائيلي، يرتبط بما إذا كانت ستبقي على الهجمات الجوية فقط، أم ستلجأ إلى خيار الهجوم البري الذي يعتبره خيارا صعبا، وقد تؤثر فيه عوامل الحرب في غزة على القوات الإسرائيلية.
ويوضح الخبير في الشؤون العسكرية، أن القدرات العسكرية الإسرائيلية لا تقاس بفترة زمنية قصيرة، مشيرا إلى تفوقها الواضح في المجالات الجوية والنارية والاستخباراتية، وهذا التفوق، حسب رأيه، يمنح إسرائيل ميزة استراتيجية هامة في أي مواجهة.
في هذا الجانب، يذكر تحليل “فورين أفيرز”، أن العسكريين الإسرائيليين، قدروا منذ فترة طويلة أن العمليات الهجومية والاستباقية واسعة النطاق ستكون ضرورية ضد حزب الله.
غير أن المصدر ذاته، يوضح أنه حتى لو أنه يمكن لحملة جوية ضخمة أن تدمر مواقع الصواريخ والذخائر الموجهة بدقة، ستكون نتائج هذا الجهد معقدة، بسبب شبكة الأنفاق التي تعد أكثر تطورا من شبكة أنفاق حماس في غزة، وفقا لتقرير من مركز “ألما” للأبحاث.
بالتالي، قد تضطر إسرائيل إلى استخدام ذخائر أثقل ضد هذه الأنفاق، مما يزيد من مستوى الدمار في جميع أنحاء لبنان. وستكون الحملة البرية ضرورية في نهاية المطاف لتحييد المسلحين ومخابئ الأسلحة ومواقع الإطلاق قرية تلو الأخرى ونفقا تلو الآخر، وهو ما يمثل انحرافا عن النهج الأخير المتمثل في استخدام القوة الجوية والمدفعية فقط.
في هذا الجانب، يوضح الحلو، أن نقطة قوة حزب الله تكمن في بنيته التحتية التي تعتمد على الأنفاق، مشيرا إلى أن المراكز الاستراتيجية ومنصات الصواريخ التابعة للحزب متمركزة في شبكة معقدة تحت الأرض، مما يجعل استهدافها بالغارات الجوية أمرا بالغ الصعوبة.
ويشير المتحدث ذاته أيضا إلى أن الخبرة العسكرية المتراكمة لدى حزب الله، سواء في الحروب التقليدية من خلال مشاركته في الصراع السوري، أو في حرب العصابات عبر أربعة عقود من المواجهة مع إسرائيل، ستجعل مهمة هذه الأخيرة على الميدان صعبة.