أيّ صفقة …أيّ فضيحة تنتظرنا
بعد هذه السلسلة من الكوارث، ونحن في دولة الديناصورات، وفي دولة مصاصي الدماء (تابعوا اعلانات الشقق للايجار)، أي صفقة… أي فضيحة تنتظرنا؟ هذا السؤال كان يفترض أن نطرحه فور اغتيال السيّد، بكل ملابساته المريبة (كم من علامات الاستفهام تضج بها الجلسات المغلقة؟). السؤال ـ الصرخة من يخنق المقاومة الآن؟ ومن يمنعها من الرد؟
نتوقف عند ما قاله لويد أوستن «اتفقت مع يؤاف غالانت على ضرورة تفكيك البنية التحتية على طول الحدود لضمان عدم شن حزب الله هجمات»، كما لو أننا لا ندري أن «اسرائيل» وديعة أميركية في الشرق الأوسط. الآن يقولون بالصوت العالي، لن يكون من أثر للمقاومة لا في غزة ولا في لبنان. بينهما بطبيعة الحال الضفة الغربية، التي تولت منظمة التحرير احتواء كل صرخة فيها.
لا أحد في هذه العالم سوى أميركا، دون أن تعنينا لا لغة الشاشات ولا لغة المنابر. ها هم «الاسرائيليون» يضربون دمشق. لن نسأل أين هو القيصر؟ واين هو التنين الذي ينتظر، كأي بائع جوال وراء الباب؟ ثانية أين الايرانيون؟ ونحن مدينون لهم بما فعلوه لنا من أجل اجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا عام 2000، وما فعلوه لنا كي نمرغ أنف تيودور هرتزل بالوحول عام 2006.
ندرك ما هو مأزق ايران الذي كان وراء مأزقنا. أهي ومنذ اليوم الأول، القراءة الفوضوية للمشهد الدولي وللمشهد الاقليمي ـ ودائما هناك بعد فوضوي في أي ثورة ـ أكان بخلفية سياسية أم بخلفية ايديولوجية. الآن، وبعدما وصلنا الى حد السكين، اكتشفت في اي عالم وفي اي منطقة نحن. وبوجود خلل بنيوي وتاريخي في الحالة العربية. الأميركيون (و “الاسرائيليون») وحدهم استفادوا من الصراعات العبثية في المنطقة، كما لو أننا لا ندري، ومنذ غروب الأمبراطورية البريطانية والأمبراطورية الفرنسية، على ضفاف السويس عام 1956، أن الشرق الأوسط يدار بعصا الكاوبوي وبقبعة الكاوبوي. متى لم يعبث حصان الكاوبوي بجثثنا، سواء كنا الموتى أم كنا الأحياء.
هكذا باستطاعة «اسرائيل» أن تفعل بنا أي شيء، ما دامت أميركا تستطيع أن تفعل بنا أي شيء. الأقمار الصناعية شغالة على مدار الساعة، ترصد وقع أقدامنا حتى ولو كنا في قبورنا. من زمان تحدث محمد الماغوط عن عظامنا العارية. ولنعترف، امام ذلك الدم المقدس، وأمام أولئك الأبطال بالصدور الفولاذية، أننا كلنا ضحايا ذلك السيناريو الرهيب، وحيث لعبة المصالح ولعبة الاسواق، محور كل السياسات ومحور كل الاستراتيجيات، دون أن نكون أكثر من خردة بشرية بين ايدي الأباطرة.
لقد دعونا دائماً الى قراءة التوراة والى قراءة التلمود، كمسيحيين وكمسلمين، لنتبين من نحن في الليتورجيا اليهودية، التي خرج عليها من يؤمنون بالأخوة بين الانسان والانسان، وبالابتعاد عن «ايديولوجيا الدم». كآخرين لسنا سوى الحطب البشري. هكذا تعود القبائل العبرية لتؤدي وفي القرن الحادي والعشرين، رقصتها الابدية حول هذا الحطب البشري.
الحلقة المركزية في السيناريو اغتيال السيد، الذي بالشخصية الاستثنائية. أيها الأشقاء في «القوات اللبنانية» وفي حزب «الكتائب» وفي أي حزب آخر، كان له ذلك القلب بالنقاء وبالورع، الذي أتى به السيد المسيح ليحل بتلك الشخصية العاصفة (أنا الهيكل)، المحبة بدل الكراهية، حتى اذا عدنا الى ما فعله البيوريتانز (الطهرانيون) بالبنية المسيحية للمسيحية، نرى أنهم نصبوا الصليب على تلة الكابيتول، بعدما كانوا فد نصبوه على تلة الجلجثة.
لا خيار لنا سوى المقاومة، ما دمنا أمام ذلك النوع من البرابرة، قد نكون بحاجة الى اعادة لململة آلامنا، لكيلا نفاجأ في لحظة ما بأن الصفقة ـ الفضيحة، قد وضعت على الطاولة. وبعيداً عن كل الآفات التي عشناها وما زلنا نعيشها، نعلم كم كان السيد يؤمن بحصافة الرئيس نبيه بري، وببراعته في ادارة الملفات والمفاوضات الخاصة بانقاذ لبنان، وقد أولته غالبية القوى السياسية ثقتها، بعدما شعرت بأنه عندما تؤكل الطائفة الشيعية، تؤكل سائر الطوائف الأخرى، ويؤكل لبنان.
ليكن رئيس السلطة التشريعية «المايسترو» في هذه المرحلة، لصد أو للتصدي للرياح السوداء التي باتت في عقر دارنا. لا نتصور أن هناك في لبنان من لا يعتقد أن الرهان على بنيامين نتنياهو هو الرهان على «يهوذا»…
نبيه البرجي- الديار