وقف اطلاق النار مستبعد قبل الانتخابات الأميركية لهذه الاسباب
ليس صدفة أن كل بيان أو تصريح، سواء أكان على المستوى اللبناني أو على المستوى الدولي والعربي، لا يخلو من ذكر القرار 1701، ومطالبة كل من إسرائيل و”حزب الله” بتطبيقه كاملًا، وإن كان بعض الذين ساهموا في صياغة مضمونه آنذاك من اللبنانيين يعترفون بأنه يحتاج إلى بعض التعديلات الأساسية لكي يكون متطابقًا مع ما تستوجبه المرحلة الحالية بعدما بلغ التبادل الصاروخي بين طرفي النزاع أقصى درجات العنف، وذلك لضمان عدم خرقه من الجهتين، اللتين لو التزمتا بما جاء فيه قبل ثماني عشرة سنة لما كان “حزب الله” متواجدًا في المناطق، التي طالب القرار الدولي بالانسحاب منها، ولما كانت إسرائيل تخرقه كل يوم، برًّا وبحرًا وجوًّا، ولما كانت حرب الاسناد والمشاغلة التي أعلنتها “المقاومة الإسلامية” قد حصلت، ولما كنا شاهدنا ما نشاهده كل يوم منذ أن أعلنت تل أبيب حربها المفتوحة على لبنان بحجة القضاء على “حزب الله” وتدمير سلاحه.
وقبل الحديث عن أي تعديلات يراها البعض أكثر من ضرورية على القرار 1701 فإنه من المهم جدًّا تفعيل المساعي الهادفة إلى الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها الوحشية وغير المسبوقة على المناطق اللبنانية المستهدفة بعدما أعلن “حزب الله” بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأنه لن يفاوض قبل وقف إطلاق النار، وأنه فوضّ إلى الرئيس نبيه بري مسألة التفاوض حالياً. إلاّ أن ما شهده الميدان من تصعيد مفاجئ لـ “الحزب” أعقب كلام قاسم أثبت أنه لا يوجد أي تفاوض قائم، وأن التفاوض الوحيد هو بالنار وفي الميدان. ويُعتقد أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية إيران عباس عراقجي للبنان قد أعطت جرعة إيرانية جديدة من المعنويات للقيادة الجديدة لـ “حزب الله“، والتي قلبت بعض الشيء المشهد المعاكس لمجريات الحرب بعدما كانت المعنويات قد تراجعت قليلًا بعد اغتيال السيد حسن نصرالله، مع ما لهذا العنصر من أهمية في أي حرب تُخاض. وهذا ما شاهدناه على أثر الردّ الإيراني على إسرائيل.
واستنادًا إلى هذه الوقائع فإن الرئيس بري، الذي أسندت إليه مهمة التفاوض بما لديه من خبرة واسعة في هذا المجال، يعول، على ما يبدو على تغيرات في الميدان لمصلحة “المقاومة” مما يسمح بالقول بأن أي تقدّم في الميدان قد يعطي دفعًا متزايدًا في الميدان السياسي والتفاوضي. ولذلك فإنه من المتوقع أن يشهد الميدان المزيد من التصعيد الكمّي والنوعي من قِبل “المقاومة الإسلامية”، وبالأخص في الجبهة المباشرة، حيث تصل إلى المعنيين أخبار مطمئنة عن الاشتباكات الدائرة على أكثر من محور حدودي، حيث تحاول القوات الإسرائيلية المهاجِمة إحداث خرق ما على أكثر من محور من دون أن تستطيع إلى ذلك سبيلًا. ويُعتقد أنه تعويضًا عن الخسائر المادية والمعنوية التي تلحق بالقوى المهاجمة على أكثر من محور برّي ستلجأ القيادة العسكرية في تل أبيب إلى مضاعفة اعتداءاتها على القرى الجنوبية والبقاعية وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت. ولكن في المقابل فإن الصليات الصاروخية الموجهة من منصات ومرابض “المقاومة” في اتجاه العمق الإسرائيلي ستزداد وتيرتها التصعيدية والتصاعدية.
المشكلة الأساسية التي يواجهها الساعون إلى وقف النار هي أن إسرائيل ترفض التفاوض قبل تحقيق أهداف الحرب المباشرة، التي أعلنتها مفتوحة ضد حركة “حماس” في غزة وضد “حزب الله” في لبنان، وقبل تكبيل يدي إيران في المنطقة، وهي حرب غير مباشرة، وتخفي ما تخفيه من مخطّطات غير ظاهرة بعد للعيان تسعى تل أبيب إلى تحقيقها قبل موعد الانتخابات الأميركية، وهي التي تعوّل على ما يمكن أن تحدثه من تغييرات في السياسة الأميركية الشرق أوسطية.