تهافت على الدواء
دخل قطاع الدواء في لبنان دائرة الخوف والتساؤلات عن مصيره، فيما لو توسعت الحرب على لبنان من قبل العدو الإسرائيلي إلى حرب شاملة. فهذا القطاع مع حرب أو من دونها يعاني ما يعانيه من شح وارتفاع في الأسعار، وتهريب وتزوير، وكل ذلك على حساب صحة المواطنين.
فتجربة المواطنين «الدوائية ” بين عامي 2021 و2022 لا تزال حاضرة في أذهانهم، نتيجة سياسات الدعم الخاطئة وعمليات الاحتكار والتخزين والتهريب والتلاعب بالأسعار وجشع التجار، مروراً بواقع مرير برحلات البحث عن الدواء التي امتدت إلى خارج البلاد، ما هدد صحة المرضى.
التهافت على الصيدليات بهدف تخزين الأدوية، هو أمر طبيعي ومتوقع بسبب الخوف من الحرب، فخلال جولة لصحيفة «الديار» على عدد من الصيدليات في مناطق متعددة، أكدت صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات في منطقة جل الديب، «أن الطلب على الأدوية ارتفع في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة، حيث ازداد الإقبال على شراء أدوية القلب والضغط والسكري والأعصاب، ووصل الطلب إلى 5 و6 علب لكل شخص، ناهيك عن أدوية الأطفال والحليب، مضيفة «نحن لا نستطيع أن نلبي احتياجات المواطنين بهذه الصورة، فقد يحرم البعض من الأدوية، بسبب نفاد المخزون من المستودعات».
من جهة أخرى، أكد صيدلي في منطقة زوق مصبح أن «التهويل الحاصل لا يستدعي التهافت على شراء الدواء، فلا داعي للخوف»، مضيفاً «لا أعتقد أن قدرة معظم اللبنانيين الشرائية تسمح بتخزين الأدوية، ففي بلد المفاجآت والمستقبل المجهول وهشاشة قطاع الدواء، القسم الأكبر من المرضى يمتنع عن تخزين الأدوية، بسبب عدم القدرة على شرائها بسبب الأزمات المتفاقمة منذ عام 2019: المالية، وعقود من الفساد وسوء الإدارة، وجائحة كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت عام 2020، ناهيك عن استضافة اللاجئين من بلدان الجوار».
تعمل وزارة الصحة بجهد حثيث لتفادي أي كارثة دوائية، ولتبعد شبح انقطاع الدواء من الاسواق، وبشكل يومي تستلم في مطار رفيق الحريري الدولي المساعدات الدوائية ومستلزمات طبية مقدمة من المنظمات الدولية، والدول الصديقة في إطار جسر جوي لمساعدة البلاد، فوزيرالصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض عمل ويعمل جاهداً على تأمين الأدوية التي تصل فقط لمراكز الإيواء.
نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان (LPIA) أكدت أن الشركات المستوردة لا تزال قادرة على تلبية حاجة السوق، طالما أن المرافئ الوطنيّة لا تواجه حصارا، بدوره أشار نقيب الصيادلة جو سلوم أن «هناك صعوبة في استيراد الأدوية من الخارج لأن المطار تحول للطائرات المدنيّة فقط والمساعدات التي تأتي إلى لبنان ولا تصل إلى الصيدليات».
لكن ماذا عن النازحين المتواجدين في الطرقات ومنازل الضيافة، او حتى المواطن الذي بقي في بيته بعيدا عن الاماكن الساخنة، في حال انقطع الدواء بسبب ما يلوح بالأفق من حصار بري وبحري، مصدر في وزارة الصحة أكد أن الوزارة تعمل عل تأمين الدواء، مشيراً إلى أن «المخزون العام للدواء المتوافر حاليا بين المستوردين والمؤسسات الصيدلانية كاف لـ 5 أشهر»، مؤكداً أن الاتجار بصحة المرضى ممنوع، ولا داعي لإحداث أزمة غير مبررة في السوق.
في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان، يطارد اللبناني شبح انقطاع الدواء منذ عقود، فتجار الأزمات في هذا القطاع كثر يظهرون مع كل حرب، منهم من يعمل على قطع الدواء من الاسواق عمدا ليبيعها فيما بعد باسعار خيالية، مستغلا حاجة الناس فيصبح هو والعدو في خندق واحد، لكن كل على طريقته في قتل الناس.
فالأزمات المتكررة التي مرت بها البلاد منذ سنوات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تركت آثارها على المواطن المتروك لقدره، لكن الجميع من موقع مسؤوليته يطمئن، ولكن عند وقوع المصيبة حدث ولا حرج، فـ «اسرائيل» التي لا تقيم أي اعتبار للقوانين الدولية مستهدفة الطواقم الطبية والمستشفيات وكل ما تجده في طريقها، قد تفاجئنا بإعتداءات جديدة.
ربى أبو فاضل -الديار