ما بين قاسم ونصرالله…ما هي الفوارق
لو أن الشيخ نعيم قاسم تسلّم الأمانة العامة لـ “حزب الله” في ظروف طبيعية وليس على أثر اغتيال السيد حسن نصرالله، الذي هو باعتراف الصديق والخصم وحتى العدو من أهمّ الشخصيات ليس على المستوى اللبناني فحسب، بل على مستوى المنطقة، لكان أسهل على بيئة “الثنائي الشيعي” تقبّل ما في هاتين الشخصيتين من فوارق. ولكن أن يأتي تعيين الشيخ نعيم، بعد اغتيال من كان يُعتبر ضمانة للوجود والمستقبل، ففيه بعضٌ من وهن على الأقل من حيث الشكل. وهذا ما بدا واضحًا في أول كلمة له بعد تعيينه أمينًا عامًا.
ولكن الذين رافقوا الشيخ نعيم عن قرب منذ أن تمّ تعيينه نائبًا للأمين العام سنة 1991 يؤكدون أن ما يتمتع به الرجل من مؤهلات قيادية قد تجعله في المرحلة المقبلة من عمر الحزب “رجل المرحلة” حتى ولو لم تكن لديه “الكاريزما” الخطابية، التي كان يتمتع بها الأمين الراحل. فما بين سطور خطابه الأول كأمين عام أكثر من رسالة حتى ولو لم يكن موفّقًا شكلًا في إيصالها مباشرة إلى من يعنيهم الأمر، خصوصًا في ما يتعلق بالمفاوضات الجارية لوقف اطلاق النار، والتي يبدو أنها قطعت أشواطًا متقدمة أوحت بشيء من التفاؤل الحذر بإمكان تحقيق تقدّم معين من دون أن يعني ذلك أن مفاوضات الربع الساعة الأخير أميركيًا ستصل إلى نتيجة سريعة قبل موعد الانتخابات الأميركية في 5 الشهر الجاري، باعتبار أن ما تفرضه إسرائيل من شروط تقابله شروط مضادة من قِبل لبنان قد يأخذ بعض الوقت . وهذا ما أكدّه الشيخ قاسم في نهاية كلمته. وهذا ما أوحى به كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي استبق اطلالته التلفزيونية بلقاء مع الرئيس نبيه بري.
وبالعودة إلى الخطاب الأول للأمين العام الجديد لـ “حزب الله” فإن محاولته في “تقليد” السيد الشهيد لم تكن موفقة، وذلك باعتراف “اهل البيت” قبل الآخرين، الذين لا يعجبهم العجب حتى ولو كان صيامًا في رجب. وإذا كان المقصود من هذه الاطلالة الأولى “رفع معنويات” البيئة الشيعية، التي تتعرّض لأقسى امتحان (ص. ص)، أي الصبر والصمود، فهو نجح في ما سعى إليه، خصوصًا عندما تحدّث عمّا لا يزال يمتلكه “الحزب” من فائض قوة تجعله يصبر ويصمد ويقاوم ليس يومًا أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين بل أشهرًا. وهذا ما يؤكده الميدان، الذي لا تزال فيه “المقاومة الإسلامية” بكامل جهوزيتها مستعدة لمواجهة الخطر الإسرائيلي على رغم ما ينزل بها من خسائر لم يقلّل الشيخ نعيم من فداحتها وخطورتها، وبالأخص ما تسبّبه الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة منذ خمسة وأربعين يومًا من دون توقف وانقطاع من أضرار جسيمة على المستويين البشري والمادي، مع تفاقم أزمة النزوح الكثيف، التي تشهدها مختلف المناطق المعرّضة للقصف البربري، وآخر هذا النزوح ما شهدته مدينة بعلبك، التي كانت هدفًا مباشرًا للغارات العنيفة، مع خشية تعرّض قلعتها الشامخة للتدمير، وهي التي لا تزال شاهدة على أن جميع الجيوش التي مرّت بلبنان على مرّ العصور اندحرت وبقي لبنان صامدًا في وجه الأعاصير.
فإذا كان رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية يريد أن يفاوض بالنار فإن “حزب الله”، وبلسان أمينه العام الجديد، مستعدّ هو أيضًا لكي يفاوض ليس بالنار فقط، بل وبالحديد أيضًا. فالذي خسر الكثير، وقد يكون من بين أهم خسائره اغتيال السيد حسن نصرالله، لن يتأثر إذا خسر القليل. وهذا القليل في نظر البيئة الحاضنة لـ “المقاومة” قد يصنع الفرق في الميدان، الذي يبقى ميزان الزمان لأي مفاوضات مستقبلية، ومن خلال قليل هذا الميدان يستطيع “حزب الله” أن يقف في وجه الشروط الإسرائيلية التعجيزية، وأن يفاوض من منطلق شروطه هو وليس شروط غيره، التي لا يمكن القبول بها أيّا يكن الثمن.
فعلى وقع الخطاب الأول لقاسم يدخل لبنان مرحلة جديدة من الحرب ومن المواجهة مع إسرائيل، التي قد تكون طويلة على رغم التفاؤل الحذر بإمكانية وصول المفاوضات، التي يبدأها موفدا واشنطن اليوم في تل أبيب.
وأخيرًا، وفي ما يتعلق بالشكل، فإنه لا بدّ من الاشارة إلى أنه يوم كان يُعلن عن موعد اطلالة السيد نصرالله كانت تغيب الأصوات الأخرى من داخل كتلة “الوفاء للمقاومة” عكس ما حصل في أول إطلالة للشيخ نعيم، الذي سبقه قبل ساعتين تقريبًا النائب حسن فضل الله من على بوابة “ساحة النجمة”.