هل السلام في الشرق الأوسط ممكن
رأت صحيفة “Politico” الأميركية أن “الحرب هي مظهر من مظاهر الفشل السياسي، ويتم دفع ثمن هذا الفشل من خلال خسارة أرواح بريئة ومعاناة إنسانية مروعة. وسوف يؤدي المزيد من الحرب إلى المزيد من الموت والدمار واليأس، وهذه هي العواقب المتوقعة والحتمية. كما يعلمنا التاريخ، إن أهداف الحرب المعلنة في كثير من الأحيان، والتي تتلخص في التحرير والأمن، لا يمكن تحقيقها بدون عملية سياسية شاملة ومدعومة شعبيا. وفي زيارته لمنطقة الشرق الأوسط في أعقاب السابع من تشرين الأول مباشرة، كان الرئيس الأميركي جو بايدن حريصا على مشاركة حكمته، على أمل ألا تتكرر أخطاء بلاده في العراق وأفغانستان. ولكن في الحرب الحالية، فقد فات الأوان بالفعل بالنسبة لعشرات الآلاف الذين فقدوا أرواحهم. ولكن لم يفت الأوان بعد بالنسبة لعشرات الملايين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط الذين يواجهون خطر الموت إذا استمرت هذه الحرب. ولذلك، لا يمكن المبالغة في التأكيد على ضرورة التحول من مسار الحرب إلى مسار السلام”.
وبحسب الصحيفة، “عند الاستماع إلى الكثير من الخطابات الحالية، قد يبدو أن الصراع في الشرق الأوسط معقد ومتجذر للغاية بحيث لا يمكن حله، ومع ذلك، فإن هذا المنظور مضلل بشكل خطير. لقد تم تحديد الطريق إلى السلام بوضوح وتأكيده في العديد من القرارات التي اتخذها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الهيئة العالمية المكلفة بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين. والإرادة السياسية لتنفيذ هذه القرارات وضمان الالتزام بها، وليس المزيد من العنف أو الحرب، هي المسار الفعال لإنهاء الصراع. إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735 (2024) يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري والكامل في غزة. والواقع أن مبادئ السلام المستدام بين إسرائيل وفلسطين قد صاغها مجلس الأمن منذ عقود من الزمان في قرارات تاريخية، بما في ذلك القراران 242 (1967) و338 (1973)، كما أكد مجلس الأمن على رؤية دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها في القرار 1397 (2002)”.
وتابعت الصحيفة، “كما أن هناك أطر عمل لحل النزاعات في المنطقة الأوسع نطاقاً، بما في ذلك القرار 1701 (2006)، الذي حدد مبادئ وقف إطلاق النار الطويل الأمد في لبنان ونزع سلاح الميليشيات، فضلاً عن القرار 2231 (2015)، الذي أيد خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعلاوة على ذلك، يمكننا أن نستمد الثقة من مرونة اتفاقيات السلام العربية – الإسرائيلية القائمة، مثل تلك التي وقعت بين إسرائيل ومصر (1979)، وإسرائيل والأردن (1994)، واتفاقيات إبراهيم الأخيرة.وفي هذا الصراع، يسعى الزعماء الدينيون من الكنائس المسيحية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، إلى إيجاد سبل للمضي قدماً تمكن الديانات الإبراهيمية من دعم السلام وعملية المصالحة الطويلة. ولكي يحدث هذا، فلا بد من إدراك التأثير السلبي الهائل لأي تغييرات محتملة في السيادة أو في الوضع الراهن على الأماكن المقدسة وحولها، بما في ذلك الحرم الشريف، أو الأضرار أو الخسائر التي تلحق بممتلكات المواقع المسيحية والكنائس في البلدة القديمة وفي مختلف أنحاء فلسطين وإسرائيل والدول المجاورة، أو الضغوط التي تتعرض لها”.
وأضافت الصحيفة، “منذ السابع من تشرين الأول 2023، تم بذل جهود مكثفة من خلال الوساطة والحوار لوقف القتل. لقد ألقى بايدن ومبعوثوه، وقادة من المنطقة، ودول مثل قطر ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأعضائه والكرسي الرسولي والعديد من الآخرين بثقلهم وراء السلام. إن مثل هذه الجهود هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إرساء السلام النهائي لأن صناع السلام الحقيقيين الوحيدين هم دائمًا أطراف الصراع. والسلام الآمن الوحيد هو السلام المتفق عليه على نطاق واسع، والذي يحترم الكرامة الإنسانية للجميع بغض النظر عن العقيدة أو العرق ويكون أساسًا للصالح العام. ومع ذلك، حيث تكافح الحوار والوساطة لإيجاد طريق للمضي قدمًا، يوجد إطار داخل الأمم المتحدة لتوفير المساحة للتوصل إلى الاتفاقيات اللازمة”.
وبحسب الصحيفة، “عندما يحدث انهيار السلام والأمن الدوليين، فإن الأدوات اللازمة لمعالجة هذا الانهيار منصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويمنح الفصل السابع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سلطة “اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما”، وقد استُخدِم هذا الفصل عدة مرات في الماضي لإنهاء الحروب. والواقع أن الحرب ليست حلاً للحرب على الإطلاق، ولكن هذا النوع من العمل الدولي من أجل السلام قد يوفر الوقت. ومن ثم، فمن الضروري أن يمارس مجلس الأمن الآن سلطاته بموجب الفصل السابع لتنفيذ القرار 2735 بشأن غزة. وسوف يؤدي هذا، كخطوات أولى، إلى فرض وقف فوري وكامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، والإشراف على الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، فضلاً عن ضمان تقديم الاستجابة الإنسانية الضخمة التي طال انتظارها لإنهاء المعاناة الجسدية والنفسية المؤلمة التي يعاني منها السكان. إن العقبة الأكبر أمام السلام تتمثل في غياب الثقة المتبادلة والأمن بشكل شبه كامل، ولابد أن تتبع إعادة إعمار غزة، وإعادة بناء المجتمعات، واستعادة سبل العيش، وإشعال الأمل، واستبدال اليأس، التزاماً مالياً سريعاً على نطاق خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية”.
وتابعت الصحيفة، “هناك حاجة إلى تدابير أخرى، بما في ذلك الضمانات الدولية، مع وجود فرص معقولة لتحقيق النتائج المرجوة.وفي هذه المنطقة، لابد وأن تشارك الجماعات الدينية في المقام الأول في إعادة بناء الثقة، وهو عمل يتطلب أجيالاً. ولقد قامت الكنائس المسيحية بهذا العمل لقرون من الزمان، وهي الآن في وضع جيد يسمح لها بالاضطلاع بدور رئيسي في هذا المجال. كما يتعين على مجلس الأمن أن يحشد سلطاته وموارده بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية لضمان التنفيذ الكامل للقرار 1701. ولا بد من وقف إطلاق النار على الفور، مما يتيح العودة الآمنة للنازحين داخلياً في كل من إسرائيل و لبنان، مع وضع خارطة طريق لنزع سلاح الميليشيات بالكامل وتفعيل حزم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والتعافي.وعلاوة على ذلك، يتعين على مجلس الأمن أيضاً أن يتعاون مع إيران لضمان تحقيق أهداف خطة العمل الشاملة المشتركة بشفافية ومساءلة، وضمان مسار لحماية الاستقرار الإقليمي يتمتع بثقة الجميع”.