مساعي هائلة لبلوغ وقف إطلاق النارِ… الجواب خلال أيام أو التصعيد
بناءً على طلب أميركي، جمّد العدو الإسرائيلي غاراته على الضاحية الجنوبية (باستثناء غارة استهدفت حي المصبغة في الشيّاح فجر الثلاثاء في ما يُعتقد أنها أتت رداً على قصف المقاومة لتل أبيب ليلاً بالصواريخ الدقيقة) تزامناً مع وصول مبعوث واشنطن عاموس هوكشتين، لإجراء مباحثات حول الورقة / المسودة التي أرسلتها واشنطن عبر سفارتها في بيروت كصيغة لوقف إطلاق النار بين لبنان و “إسرائيل”. بيد أن هذا الإجراء وإن طغى على أجواء الأمس، فإنه لن يدوم طويلاً، ومن المقدر أن تعود الغارات إلى سابق عهدها وربما أكثر مع مغادرة هوكشتين المنطقة، حيث بات وجوده أو احتمال عدم زيارته تل أبيب أصلاً، رهناً بموقف بنيامين نتنياهو من مسار التفاوض الحالي.
وإن حاول الجانب اللبناني “لف” زيارة المبعوث الأميركي بالكثير من الإيجابية سيّما لقاءه الأساسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة والذي دام ساعتين، لكن لا شيء يبدو مؤكداً حول انسحاب هذه الايجابية على الطرف الإسرائيلي، بدليل عدم تأكيد أو نفي هوكشتين ما إذا كان العدو سيقوم بنسف الإيجابيات. وما زاد الطين بلّة وأوحى بأن “حزب الله” قد تكون وصلته بوادر سلبية مستجدة أو أنه لمس مثلها على المقلب الإسرائيلي، كلام نائب رئيس المجلس السياسي للحزب محمود قماطي، أمس، الذي ألمح، بواقعية، بأن لا شيء مضموناً بالمفاوضات ربطاً بأساليب المراوغة المعتمدة من جانب بنيامين نتنياهو. مع ذلك، شدّد على موقف الحزب الداعم للوصول إلى وقف لإطلاق النار كما الداعم لموقف المفاوض اللبناني وذلك ربطاً بالنتائج التي تحقّقها المقاومة في الميدان.
وطوال الساعات الماضية، عمل الجانب اللبناني سيّما المحيطين بالرئيس بري على بث الأجواء الإيجابية، بموازاة تعابير إيجابية مماثلة عبّر عنها هوكشتين من على منبر عين التينة، حين ألمح مرّتين إلى أننا بتنا أقرب من أي وقت مضى للوصول إلى وقف لإطلاق النار. ومن أجل الوصول إلى ذلك، عكف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دخل في مباحثات “متشعّبة وماراثونية” مع هوكشتين، كما وصفتها المصادر، على تحديد أولويات لبنان السيادية. وخاض مع هوكشتين نقاشاً طويلاً وتفصيلياً حول مجموعة من النقاط الواردة ضمن الصيغة من بينها مسألتين: “حالة الدفاع عن النفس” الواردة في الصيغة بالنسبة إلى لبنان أو إسرائيل، وموضوع “لجنة المراقبة” ودور القرار 1701.
وإستكمالاً للمناقشات التي بدا أنها جديّة أكثر من أي وقتٍ مضى وتؤشر للدخول في مسار مختلف، كلّف برّي مستشاره الإعلامي علي حمدان الإنخراط إلى جانب مسؤول أميركي آخر من فريق السفارة كلّفه هوكشتين، بمداولات من أجل الوصول بالإتفاق إلى قراءة أخيرة للورقة في ظل التعديلات اللبنانية عليها، والعمل على إعادة صياغة وترجمة بعض المصطلحات الواردة فيها منعاً للإلتباس أو لتفسيرها كما يحلو للعدو، مع الإشارة إلى أن هوكشتين، يبدو أن ليس لديه صلاحيات كبيرة من أجل إجراء تعديلات “واسعة النطاق” على بعض البنود الواردة، والتي شارك فريق الإدارة الجديدة في إعدادها.
وقد دامت الإجتماعات لفترة متأخرة من ليل أمس، في مسعى من “اللجنة التقنية” هذه للوصول إلى خلاصة كي يتم تزويدها هوكشتين على أن يحملها معه إلى تل أبيب.
على هذا الأساس، قالت مصادر سياسية واسعة الإطلاع لـ”ليبانون ديبايت”، إن الكرة باتت في ملعب العدو. وفي حال لم يقدم إجابته على الصيغة في غضون الأيام القليلة المقبلة حيث ينوي هوكشتين الإستقرار في المنطقة لمدة معينة، فإن المسار برمته من المرجح دخوله في المجهول، وسط تقديرات بتصعيد كبير وغير مسبوق ميدانياً.
في الموازاة، كان العدو يعبّر عن مكنوناته تجاه وضعية وقف إطلاق النار. ومع التقدم الملحوظ أقلّه من الجانبين اللبناني والأميركي، كان بنيامين نتنياهو يؤسس إلى تراجع واضح عن التزاماته بشأن التوصل إلى تسوية في ملف تبادل الأسرى مع حركة “حماس” برعاية مصرية. وقد ألمح الإعلام العبري، مساء أمس، إلى أن المفاوضات في هذا الشأن “توشك على الإنهيار”، وأن رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع الذي يشارك في المداولات إلى جانب مسؤول إسرائيلي آخر، طلب “مساحةً أكبر ومنحه حرّية أوسع على صعيد مسألة إتخاذ القرارات في المفاوضات” من دون أي تجاوب من قبل نتنياهو.
هذا الجو، وإن لم يكن بالغ التأثير على لبنان على اعتبار أن ملفات التفاوض باتت منفصلة بين المسألتين اللبنانية وفي قطاع غزّة، لكنه قد يؤشر إلى مآلات نتنياهو الذي لا يرغب، عادةً، في بلوغ نتائج المفاوضات بشكلٍ إيجابي، ويعبّر باستمرار عن رغبته الدائمة في مواصلة الحرب. وفي هذا المجال يُمكن رصد أدائه لبنانياً. فبموازاة نشاط هوكشتين – بري في بيروت من أجل التوصل إلى “صيغة مرنة”، كان العدو الإسرائيلي يستأنف توغله داخل الأراضي اللبنانية، لا سيما عند محاور القطاع الغربي، محاولاً الوصول إلى منطقة البياضة، كنوع من التفاوض تحت النار وإرساء مزيد من الضغوطات العسكرية على المفاوض اللبناني وعلى المقاومة. ومن شأن الوصول إلى البياضة أن يتيح للعدو سيطرةً بالنار على قطاع واسع من مدينة صور ومحيطها وصولاً إلى الطريق الساحلي صيدا – صور. وفي اعتقاد نتنياهو أن بلوغ هذه الغاية يتيح تعزيز أوراقه التفاوضية، ويؤدي ذلك إلى “بيع” المستوطنين بعض العناوين، من بينها أنه نجح في تطويق مناطق إطلاق الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي يزعم أن غالبيتها ينطلق من صور، وأيضاً زيادة الضغط على الحزب، لقبوله بتسوية وفق المندرجات الإسرائيلية.
في المقابل تعمل المقاومة على خطين: الإستمرار في ضرب العمق الإسرائيلي ومناطق الشمال بالمسيّرات والصواريخ، وقد بلغت خلال الساعات الماضية مستويات غير مسبوقة، إذ تمكنت من توجيه ضربة نوعية لتل أبيب، وهو ما يؤشر إلى أن المقاومة تقوم بدرس خياراتها بدقة وتعمل وفق أدبيات تأمين هدف محدد مع بلوغ قدرة صاروخية معينة، حيث هي من يستنسب التوقيت. ولعل استنساب توقيت حضور المفاوضات لقصف عمق تل أبيب كان مقصوداً لعكس قاعدة التفاوض بالنار على العدو أيضاً. وتقوم المقاومة على محور آخر بدكّ النقاط الخلفية للقوات والتصدي لتلك المتوغلة داخل الأراضي اللبنانية بالإضافة لاستحكامات العدو.
هذا الجو، كما تقرأه المصادر، قد لا يؤشر إلى توفّر رغبة بالوصول قريباً لوقف إطلاق النار، لسببٍ بسيط، أن الطرفين (المقاومة والعدو) ما زالا يسعيان لتنفيذ وتحقيق خططهما العسكرية في الميدان، ولا يبدو أنهما انتهيا من تحقيق تلك الأهداف. وبالتالي وإن بلغت الأجواء إيجابيةً معينة، لكنها لا تؤدي بالفعل للوصول إلى وقفٍ سريع لإطلاق النار على اعتبار أن النقاش ما زال في بدايته.
ليبانون ديبايت – عبدالله قمح