خفايا “هدنة لبنان”.. هل ستشنّ إسرائيل هجمات جديدة
خفايا “هدنة لبنان”.. هل ستشنّ إسرائيل هجمات جديدة
نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً تحت عنوان: “اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وبذور عدم الاستقرار المستقبلي”، وجاء فيه:
في خطاب مسجل نشره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء الماضي، عرض الأسباب والدوافع، المعلنة على الأقل، التي دفعت باتجاه اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
السبب الأول وفق نتنياهو هو سعي إسرائيل إلى التركيز على التهديد الإيراني، من دون أن يتوسع في هذا السياق، أما السبب الثاني هو إعطاء فرصة لقوات الجيش الإسرائيلي للاستراحة والتجدد، خصوصاً قوات الاحتياط، واستكمال النواقص في مخزون الجيش من ذخائر ومعدات، إذ قال نتنياهو إنه ليس سراً أنه كان هناك تأخير كبير في تزويد إسرائيل بما تحتاج من ذخائر، وفي ذلك اتهام غير مباشر للإدارة الأميركية بتأخير تزويد إسرائيل بما تحتاج من ذخائر لاستمرار الحرب.
والسبب الثالث هو فرض فك الارتباط بين جبهة لبنان وغزة، وعزل حركة حماس وحدها في المعركة أمام إسرائيل، مما سيزيد من الضغط للتوصل إلى اتفاق لاستعادة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة.
أوضح نتنياهو أن قرار الحكومة قبول اتفاق وقف إطلاق النار وليس إنهاء الحرب، مع حزب الله جاء نتيجة ضرورات عسكرية إسرائيلية، وليس بسبب القضاء على قدرات حزب الله.
مع هذا، لم يتطرق تصريح نتنياهو أو قرار الحكومة لعودة سكان المستوطنات الحدودية الشمالية إلى منازلهم في هذه المرحلة، مع انتظار إسرائيل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار لاتخاذ قرار كهذا.
تدرك الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية، أنه على الرغم من الدمار الشديد لبلدات جنوب لبنان ولضاحية بيروت الجنوبية، والضربات في بيروت ذاتها، والدمار الكبير في منطقة البقاع، شرقي لبنان، إلا أن الهجمات الإسرائيلية لم تؤدِ إلى القضاء كلياً على قدرات حزب الله العسكرية، بل إن الإعلام الإسرائيلي بدأ يتحدث في الأيام الأخيرة عن بداية إعادة تنظيم واستعادة بعض قدرات حزب الله العسكرية.
وجاء إقرار الحكومة الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار مترجماً لموقف المؤسسة العسكرية وقيادات الجيش، التي أوضحت أنها حققت أهدافها من الهجوم على لبنان لغاية الآن، ومنها توجيه ضربة قاسية لقدرات حزب الله، واغتيال عدد كبير من قياداته وكوادره، وضرب بنى تحتية عسكرية ومدنية واقتصادية للحزب، وإرجاع قوات حزب الله شمالي نهر الليطاني، بحيث لم تعد تشكل خطراً على أمن المستوطنات الشمالية. من هنا لا داعي لاستمرار الحرب وتوسيع الاجتياح البري، الذي يرفع احتمال التورط في وحل لبناني جديد، وزيادة عدد القتلى والجرحى من صفوف الجيش. المؤسسة العسكرية أدركت أن أقصى ما يمكن أن تحققه في لبنان من دون احتلال واسع يمكن أن يورط الجيش بخسائر جدية، حققته فعلاً.
اتفاق وقف إطلاق النار إسرائيلي ـ أميركي
اتفاق وقف إطلاق النار هو بالأساس اتفاق إسرائيلي أميركي، أكثر من كونه اتفاقاً بين إسرائيل وحزب الله، إذ لم يؤدِ الاتفاق إلى تغيير جدي عن الاتفاق الأصلي الذي تم توقيعه بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، المعروف بقرار مجلس الأمن 1701، الذي أقرّ حينها، من ضمن أمور أخرى، انسحاب قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، وإنشاء قوة دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
إلا أن الطرفين لم يلتزما حينها بالاتفاق نتيجة قناعتهما أن الطرف الآخر لن يقدم على رد عسكري إذا كان هناك خرق للاتفاق. فموازين القوى ورغبة الأطراف كانت مختلفة حينها، بينما تقول إسرائيل هذه المرة، وبعد أن حققت إنجازات عسكرية وضربت قدرات حزب الله، أنها ستكون صارمة أكثر في تطبيق الاتفاق، وبالحفاظ على “الخطوط الحمراء”.
ويشمل هذا مراقبة استخبارية وثيقة، وتطبيق سياسة متشددة من شأنها إحباط أي محاولة من جانب حزب الله لإعادة بناء قدراته العسكرية وربما التنظيمية، ونقل الأسلحة الى لبنان، وإعادة ترميم البنى التحتية.
الجديد في هذا الاتفاق هو حصول إسرائيل على رسالة تضمنت تفاهمات جدية من الإدارة الأميركية، وهي الأهم في هذا الاتفاق. بذلك، يمكن القول إنه اتفاق إسرائيلي أميركي لترتيب حدود وشروط اللعبة العسكرية في المنطقة في المرحلة المقبلة.
كذلك، يشمل الاتفاق انتشاراً عسكرياً أميركياً في لبنان، لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، وما رشح عن ورقة التفاهم الإسرائيلي الأميركي يفيد بأنه سيكون لإسرائيل حق الدفاع عن النفس تجاه أي خروقات للاتفاق.
وبغض النظر عن التفاصيل والشروط التي تتيح ذلك وفقاً للتفاهمات الأميركية ـ الإسرائيلية، فمن المتوقع أن لا تقيد إسرائيل تحركاتها العسكرية المقبلة بالحصول كل مرة على موافقة من الإدارة الأميركية لتوجيه ضربة ما لحزب الله في لبنان، في حال قام بتحركات عسكرية أو نقل معدات عسكرية من خارج لبنان. طبعاً الإدارة الأميركية لن تمنعها من ذلك ولن تستنكر ذلك حتى، خصوصاً بعد أن يدخل الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل.
بذلك تمنح التفاهمات حرية العمل العسكري لإسرائيل في لبنان من الآن وصاعداً، على غرار الوضع القائم في سوريا.
يتضح أيضاً أن من أبرز الدوافع للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وفقاً لصحيفة يسرائيل هيوم في عددها الصادر الأربعاء الماضي، هو التفاهم بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية على “رفع الحظر الصامت” على الأسلحة والمعدات العسكرية من جانب الولايات المتحدة، الذي ألحق ضرراً جدياً في الخطط العسكرية الإسرائيلية وأدى إلى سقوط ضحايا في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي، وفقاً للصحيفة. كما التزمت الإدارة الأميركية بتزويد إسرائيل بأنواع وكميات أسلحة لم تزودها بها لغاية الآن، ومنها معدات وتقنيات تعمل على تحسين الأسلحة القائمة بشكل كبير، وأسلحة هجومية بنوعية عالية امتنعت الإدارة لغاية الان تزويدها لإسرائيل. وفي هذا، وفقاً للصحيفة، رفع وتحسين جدي في القدرات الهجومية الإسرائيلية، مما اعتبرته مصادر إسرائيلية تغييراً حقيقياً في سياسة إدارة الرئيس جو بايدن.
صحيح أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يختلف في المضمون كثيراً عن اتفاق عام 2006، ولم تطالب إسرائيل بتعديل قرار مجلس الأمن 1701، إلا أن الواقع الحالي يختلف جداً عن نهاية حرب عام 2006.
فكما غيرت منظومة “القبة الحديدية” ومنظومة “السترة الواقية” للدفاع عن الدبابات الإسرائيلية، والكمّ الكبير من المعلومات التي توفرت للمخابرات الإسرائيلية عن حزب الله والاختراقات الأمنية، نتائج المعركة في الميدان، يمكن أن تؤدي ورقة التفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى زيادة شهية إسرائيل لفرض تغيير أوسع في الحالة الاستراتيجية، وإلى تغيير الواقع والمشهد الأمني والسياسي في مرحلة ما بعد الحرب.
إسرائيل ستكون حرة أكثر في توجيه ضربات عسكرية لحزب الله، تحت حجج وتبريرات مختلفة، بل يمكن أن يتحول هذا إلى مشهد عادي.
وستحاول إسرائيل التأثير أكثر على المشهد السياسي الداخلي في لبنان مستغلة انشغال حزب الله بترميم قدراته ومعالجة الأضرار المادية والعسكرية وإعادة الإعمار، وتراجع قدرته على ردع اسرائيل. بهذا، فإن عوامل عدم الاستقرار المستقبلي وضعت في ورقة التفاهم الإسرائيلي الأميركي.
(العربي الجديد)