“اكتشاف” مئة معتقل لبناني بسجون الأسد كانوا مجهولي المصير
“منذ العام 1986، وأخي علي حسن علي، مختفٍ ومُغيّب في سجون نظام الأسد” يقول مُعمّر حسن علي، شقيق السّجين اللّبنانيّ المُحرّر من سجن حماة المركزيّ، في حديثه إلى “المدن”. وعلي الذي حُرّر ظهر الخميس، بعد سيطرة فصائل المعارضة السّوريّة على مدينة حماة- وسط سوريا، ضمن معركة “ردع العدوان”، خرج من السّجن بعد 38 عامًا على الاعتقال القسريّ على يدّ قوّات نظام الأسد بحجة أنّه كان ينتمي لـ”حركة التوحيد الإسلاميّ” الّتي نشأت في طرابلس مطلع الثمانينات. ويُضيف معمّر بالقول: “كنا على أمل أنّه على قيد الحياة، لكن لم نكن أكيدين، فلدى سؤالنا دائمًا كان النظام ينفي وجوده في السّجن، وتوفيت أمّه على أمل اللقاء، لكن الحمدالله تمّ تحريره”.
وعلي حسن علي، من مواليد العام 1968 وليس متأهلًا، وكان في الثامنة عشر من عمره ويعمل كميكانيكيّ سيارات، لدى اعتقاله في عكار. ويتحدر من عائلة متواضعة، تقطن في بلدة تاشع الجبليّة في محافظة عكار، وخرج اليوم على عمر 56 عامًا، انقضت من حياته في سجونٍ هي الأشهر حول العالم بظروفها التعسفيّة. ويُشير شقيق السّجين المُحرّر إلى “المدن”، أن أخيه ليس الوحيد الذي تمّ اعتقاله من عكار، بل تمّ اعتقال عشرات الشبان وتحت ذرائع متفرّقة في ذلك الوقت، ولم يُسمع عن غالبيتهم، خبرٌ للآن. مؤكدًا أنّهم حتّى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يُوفقوا بالتواصل مع علي في حماة.
تحرير سجناء لبنانيين
وعلي ليس السّجين اللّبنانيّ الوحيد الذي تمّ تحريره من سجن حماة المركزيّ تحديدًا، فبين ثلاثة آلاف سجين تمّ تحريرهم اليوم ومن مختلف الجنسيات العربيّة والأجنبيّة (ضمنًا الفلسطينيين)، تُشير مصادر “المدن” في هيئة تحرير الشامّ، لوجود عشرات السّجناء اللّبنانيين أيضًا، ويُناهز عددهم 100 سجين، أدعى نظام الأسد منذ سنوات حتّى اللحظة أنّه لا يعتقل أيًّا منهم. فيما لا تُخفي هذه المصادر أن بعضهم مسجون منذ عشرات السّنوات، أما آخرون فسجنوا في السّنوات الأولى للثورة السّوريّة في العام 2011، وغالبيتهم يتحدرون من طرابلس وعكار، وبعضهم من البقاع الشمالي، فيما هناك بعضٌ من السّجناء الذين تمّ اختطافهم أثناء الوصاية السّوريّة على لبنان في التسعينات.
وعلمت “المدن” من مصادرها في هيئة تحرير الشام، لكون السّجناء الذي جرى تحريرهم، سيتمّ تأمين عودتهم إلى لبنان، فور توافر الظروف اللوجيستيّة المناسبة للعودة، إما بتحرير المناطق الّتي تصل سوريا بلبنان، أو عبر تركيا. واعتبرت المصادر أنّه من الصعوبة حاليًّا إيصالهم مادامت الأمور حتّى اللحظة مُعقّدة والمعارك في أوّجها.
أما عن ظروف السّجناء بعد تحريرهم، فكما هو متوّقع كانت مأساويّة. وأفادت مصادر “المدن” في الهيئة، أن بعضهم كانوا يُعانون من ظروفٍ صحيّة سيئة جدًا فضلًا عن نقصٍ في التغذيّة. وأكدّت أنّه سيتمّ نقلهم إلى مكانٍ آمن، موقتًا وتوفير أساسيات العيش، حتّى إيجاد السُّبل المناسبة لإرسالهم إلى لبنان. وأكدّت أن رهطًا لا يُستهان به منهم، من السّجناء السّياسيين.
يُذكر أن “المدن” تواصلت مع عددٍ من عائلات السّجناء المُحرّرين، وأكدّوا جميعًا أن التواصل مع ذويهم لم يكن موفقًا حتّى اللحظة، وتتحفظ “المدن” عن نشر أي أسماء، حتّى حين التأكد من صحّة المعلومات عن تحريرهم من سجن حماة تحديدًا، خوفًا عليهم من انتقاميّة نظام الأسد، بيّد أنّ هناك بعض الأسماء المتداولة والّتي وصلت “المدن” قد تمّ نقلها من سجن حماة إلى سجونٍ أخرى تابعة للنظام.
رمزيّة التحرير
أما عن رمزيّة تحرير المدينة وسجنائها، من قبضة النظام السّوريّ التعسفيّة، فتُشير الناشطة الحقوقيّة السّوريّة والعاملة في الشؤون الإنسانيّة، سيلين قاسم، لـ”المدن”، لكون ما حدث في حماة “أمرٌ تاريخيّ بكل معنى الكلمة. هذه المدينة تحديدًا عانت أشدّ المعاناة تحت حكم هذا النظام المستبدّ، الذي ارتكب واحدة من أسوأ الجرائم في التاريخ عندما قتل عشرات الآلاف من الأشخاص في الثمانينيات، في أسبوعين. ومنذ ذلك الوقت، هناك أشخاص لم يتمكنوا من رؤية وطنهم سوريا يومًا واحدًا في حياتهم”. قائلةً أنّ “هذا الحدث اليوم هو ردّ فعل طبيعيّ على الحصار والتجويع والقصف بالبراميل والكيماوي وكل الجرائم الأخرى. من المهم أن نتحدث عن التحرير الذي يترقبه ملايين الناس الذين يعيشون في ظروف قاسية”.
وأكدّت قاسم لـ”المدن”، أنّهم يحاولون الآن “توثيق الأسماء لمساعدة العائلات على التعرّف على أحبائهم، سواءً الذين خرجوا أو الذين لا يزالون مفقودين أو حتى أولئك الذين فقدوا أبناءهم في الحرب”.
وفي تعليقها على تحرير سجناء من غير الجنسيّة السّوريّة وتحديدًا اللبنانيين، تقول قاسم إن “هذا النظام ليس جديدًا على ممارساته القمعية، فهو لم يقتصر على قمع السوريين، بل تعدّدت جنسيات وأعراق المعتقلين. هناك معتقلون لبنانيون وفلسطينيون وغيرهم، لكن العديد منهم اختفى في أقبية النظام بعد عام 2011، لمجرد أنهم تجرؤوا على التعبير عن آرائهم أو الوقوف ضدّ القمع”. وعلّقت: “ما يثير الاستياء هو أن حكومات مثل الحكومة اللّبنانيّة تنكر وجود معتقلين لبنانيين في سجون النظام، رغم الأدلة الواضحة. للأسف، كثير من الدول لم تبذل الجهود الكافية للمطالبة بإطلاق سراح مواطنيها المعتقلين”.
خاتمةً بالقول: “رغم ذلك، نحن سعداء جدًا بخروج هؤلاء الأشخاص، ونشعر بفرحة مضاعفة عندما يتعلق الأمر بمعتقلين لبنانيين، لأن ذلك يشعرنا بأننا جزء من هذه المعاناة المستمرة. الشعور اليوم مليء بالسعادة والفرح، رغم أننا لا نعرف ما الذي سيحدث لاحقًا أو ما إذا كان هناك خلفية سياسية وراء هذا الحدث. هناك من قد يقول إن هؤلاء الأشخاص الذين يحررون السجناء، إرهابيون، لكن أي شخص مسجون ظلمًا لعقود يستحق أن ينال حريته. الآن، كل ما يهم هو أن هؤلاء الأشخاص تم إطلاق سراحهم، وهذا هو الأهم”. مؤكدةً أنّهم يعملون على توثيق الأسماء والحالات والمساعدة قدر الإمكان.
بتول يزبك – المدن