اخبار عربية

“ثاني أفظع السجون” يفتح جروحًا جديدة في سوريا

في حين كانت العاصمة السورية دمشق تنفض عن نفسها غبار الدمار وتدفن جثث ضحايا سجن صيدنايا الشهير، فتحت جروح جديدة في محافظة حمص، معقل الثورة السورية ومدينة المقاومة.

وصل فريق “العربية.نت” إلى مدينة حمص، المدينة الحصينة التي خاضت على مدى 14 عامًا من الحرب ضد نظام الأسد، لتكشف عن أحد أبشع وأخفى السجون السورية، وهو “سجن البالونة”، الذي يقع بالقرب من جامعة البعث في حمص. وكان السجن، الذي يضم أربعة طوابق، أحد المعاقل القمعية التي استخدمها النظام السوري لأغراض عقابية وتنفيذ سياسات الانتقام من المعارضين والمقاتلين والمنشقين عن الجيش السوري.

في السابق، كان سجن البالونة مخصصًا لمحاسبة العسكريين والضباط الذين ارتكبوا مخالفات أو انشقوا عن الجيش السوري. لكن مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، تحول السجن إلى محطة رئيسية لاحتجاز المعتقلين السياسيين والمعارضين للنظام، بما في ذلك المنشقين عن الجيش السوري. وكان السجن، الذي شهد أكثر من 4500 سجين، يشتهر بظروفه القاسية، حيث كان يحتوي على زنزانات ضيقة يعاني فيها السجناء من سوء التغذية والمعاملة الوحشية.


أثناء الجولة الصحفية في السجن، اكتشف الفريق العديد من الأدلة المروعة التي تشير إلى شدة القمع الذي مارسه النظام السوري في هذا السجن. إذ كانت الزنزانات التي يتراوح عدد السجناء فيها بين 113 شخصًا في كل واحدة، مكتظة لدرجة أن السجناء كانوا يضطرون للنوم بشكل متلاصق. كما تم العثور على العديد من الملفات التي تضم تفاصيل تهم المعتقلين، وهي تتراوح بين “رفض إطلاق النار على المتظاهرين” و”الانتماء إلى عصابة أشرار”، وصولاً إلى “الفرار من المعركة”.

خلال الجولة، تحدث الشاب محمد أحمد حسين، البالغ من العمر 22 عامًا، عن تجربته المؤلمة في سجن البالونة. وقال محمد إنه لحسن حظه لم يمضِ أكثر من شهر في هذا السجن الفظيع، حيث أُخرج في الوقت الذي بدأت فيه معركة “ردع العدوان”، مشيرًا إلى أن تهمته كانت “الانشقاق عن الجيش”، حيث هرب من إحدى المعارك ورفض القتال ضد الشعب السوري.

وأوضح محمد أن السجناء كانوا يتناولون “رغيف خبز واحد في الصباح وآخر في المساء”، مع احتمال وجود “حبة بطاطا” في حال لم تُسرق منهم، وهي الوجبة الوحيدة التي يحصلون عليها أحيانًا.

وأضاف محمد أنه في أحد الأيام، طلب منهم السجانون حمل السلاح والانضمام إلى صفوف الجيش للقتال، ولكنهم بقوا في السجن حتى تم تحريرهم من قبل الفصائل الثورية بعد معركة استعادة السيطرة على حمص.

وقد كشف محمد أيضًا عن ممارسات التعذيب التي تختلف من معتقل لآخر، معتمدًا في بعض الأحيان على “مزاج السجان”، حيث كانت بعض أساليب التعذيب ترتبط بتفاصيل عشوائية غير إنسانية، بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي المستمر.

سجن البالونة يُعتبر من بين أسوأ السجون التي عمل فيها النظام السوري على مدار سنوات، وهو لا يختلف كثيرًا عن سجن صيدنايا الشهير في ريف دمشق من حيث الوحشية والدموية. ووفقًا للجنة السورية للتوثيق، كان عدد المعتقلين في سجن البالونة يتراوح بين 4500 و10,000 معتقل، وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان العديد من الحالات التي تروي معاناة المعتقلين في هذا السجن، مثل التعذيب المفرط وسوء التغذية.

يُعد سجن البالونة جزءًا من شبكة من السجون التي أسسها نظام الأسد لقمع أي معارضة، سواء من المدنيين أو العسكريين المنشقين. منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، اعتُبرت هذه السجون بمثابة “مسالخ بشرية”، حيث تعرض المعتقلون لأنواع متعددة من التعذيب الوحشي، وهو ما أكده العديد من الناجين الذين تمكنوا من الهروب من جحيم تلك السجون بعد سنوات من المعاناة. سجن صيدنايا، الذي يعد الأشهر في هذه الشبكة، شهد عمليات تعذيب جماعية واختفاء قسري، مما جعل المجتمع الدولي يعترف بأن هذه السجون كانت مصممة أساسًا لإبادة المعارضين بشكل بطيء وممنهج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com