دم جلسة 9 كانون الثاني في رقبة سمير جعجع
سيجتمع نواب المعارضة بمختلف أنواعهم وأشكالهم اليوم، وسيجتمعون غداً وبعد غدٍ، وسيبقون في حال انعقاد دائمة سعياً وراء التوافق حول إسم مرشح رئاسي يمضون به إلى جلسة 9 كانون الثاني المقبل، وحكماً لن يستطيعوا أو عملياً ليس مقدراً لهم الإتفاق، ببساطة لأن القرار المتخذ في معراب، قائم على تجريد جميع المرشحين المفترضين من احتمالات تبنّي المعارضة أياً منهم، لمصلحة تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في بلوغ ترشيح الدكتور سمير جعجع رئيساً للجمهورية.
خلال المدة الأخيرة أوحى جعجع بمؤشرات واضحة حيال رغبته تلك. وقبل يومين كان واضحاً أكثر من أي وقتٍ مضى في التعبير عن نواياه حيث أعلن عبر إحدى المحطات ما مفاده أنه “يترشح عندما يكون هناك الحد الأدنى من الكتل النيابية مستعدة لتقبل هذا الترشيح”.
ما يُمكن فهمه، أن جعجع يلقي الحجّة على قوى المعارضة كي تبادر، هي، إلى تبنّي ترشيحه. لكن المشكلة تبقى في أن جعجع، ولغاية هذه اللحظة، ما زال عاجزاً عن إقناع المعارضة ككل بخيار ترشيحه، ويبدو أن ما يتسرّب يوحي بأن الفكرة تحتاج إلى وقتٍ لإنضاجها أو عملياً ليس من السهل إنضاجها.
لذلك سيبقى جعجع في موقع الإلتباس حيال موقفه من جلسة 9 كانون الثاني المقبل، لغاية أن يبلغ هدفه. كذلك ستفعل المعارضة، العاجزة لغاية هذه اللحظة عن الإلتقاء على إسم لتتبناه، وتكثر بين صفوفها الأسماء ورمي الأسماء. وفي لحظة انعدام الوزن السياسي الحالية لدى المعارضة، سوف يقوم جعجع باستغلالها على أكمل وجه، من أجل تسويق نفسه خياراً محتملاً، وهو في هذه الخطوة سيعتمد على كتلته النيابية، وعلى نواب حلفاء آخرين سواء لدى كتلة “التغيير” أو عند النواب السنّة أو لدى المستقلين. ومن الواضح أن في معراب “لوبي” يدفع صوب دعم خيار ترشيح جعجع، ويتحرك على أكثر من مستوى، باتجاه نواب أو سفراء.
من الآن وصاعداً سوف يبقى موقف المعارضة من جلسة 9 كانون ملتبساً أيضاً، ومن الواضح أن المعارضة تقف باهتمام عند كلام مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الداعي لعدم الإستعجال بإجراء الإنتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر وأنه يمكن الإنتظار شهرين إضافيين، وترى في الكلام “مهلة حث” يمكن تبنّيها بذريعة توسيع دائرة المشاورات للوصول إلى توافق واسع النطاق حول مرشح، ما يعني أن الهدف الراهن بالنسبة إلى جعجع وبعض حلفائه، يتمثل بعدم الوصول في جلسة 9 كانون الثاني إلى انتخاب رئيس، إنما جعل الجلسة محطة في سياق المشوار، بانتظار أن تنجح محاولات إقناع المعارضة تبنّي ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية“. وفي مقابل المسارعة إلى تدعيم الجلسة، بدأت حملة مقابلة تدّعي أن مسارعة بري في الدعوة إلى جلسة إنتخاب في 9 كانون الثاني تستبطن رغبةً لديه بالإتيان برئيس “تهريبة” وفرضه على المعارضة، وهو ما قرأته عين التينة على أنه كناية عن محاولة لـ”تطويق بري” وإفشال الجلسة، ليسارع رئيس المجلس إلى محاولة تحصينها من خلال توجيه دعوة رسمية إلى سفراء “الخماسية الدولية” للمشاركة.
لكن ما الذي يدفع جعجع لبلوغ هذا المستوى من المواجهة، بحيث بات مصدر إزعاج كبير لعين التينة العاملة على محاولة إنتاج رئيس في جلسة 9 الشهر نزولاً عند محاولة الإستفادة من المسار الذي أفرزه الوصول إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية يوم 27 تشرين الثاني الماضي؟
في منظور جعجع ثمة مجموعة عوامل دخلت لاعباً أساسياً في اختيار الرئيس، تبدأ في نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث يعتقد رئيس حزب “القوات” أنه أفرز واقعاً جديداً تمثل في إضعاف “حزب الله”، وبالتالي لا بدّ من “عكس الآية” على المعادلات السياسية اللبنانية، ولا ينتهي في ما استجد أخيراً وارتبط بانهيار النظام السوري وفرار بشار الأسد، حيث يعتبره جعجع ضربةً إضافية تلقاها النفوذ الإيراني، إنعكست مزيداً من الضعف على نفوذ الحزب في لبنان.
ليس سراً أن جعجع سبق ومضى في اعتبار أن التطورات الجارية في المنطقة تخدم إجراء تبدل في المعادلات اللبنانية إنطلاقاً من ملف الرئاسة. وخلال الحرب الأخيرة، نقل نائب شارك في لقاء مع جعجع، بأن رئيس حزب “القوات”، يرى أن الظروف في البلاد قد تغيرت، ولم يعد مقيداً بدعم مرشح معين وفق معيار توافقي (قاصداً قائد الجيش العماد جوزاف عون) إنما بات في الإمكان الإتيان برئيس من رحم المعارضة. مذذاك تولدت فكرة أن جعجع يرمي إلى تسويق نفسه، وزادت القناعة حينما خفف لهجته حيال الإسراع في انتخاب رئيس، ثم رفض تسليم لائحة بأسماء يدعمها للرئاسة، وتجنّب في ما بعد الإطلاع على لائحة أخرى أو تقديم رأيه فيها!
حادثة أخرى حصلت بين وفد نيابي التقى بسفير دولة عربية أخيراً. ذكر السفير أمامهم أن بلاده العضو في الخماسية الدولية، باتت تفضل على نحوٍ واضح وصول قائد الجيش إلى بعبدا. وقد ذكر السفير أمام النواب معطيات تشير إلى تقاطعات حول إسم قائد الجيش. أجاب احد النواب الحاضرين بأنه سمع من جعجع ما يخالف هذا الكلام، وإنهم يدعمون وصوله إلى رئاسة الجمهورية!
كيفما اتفق، ما زال جعجع يقيم عند قناعة باتت شبه راسخة لديه، مفادها أن تطورات المنطقة تخدمه دون سواه. وبهذا المعنى يقرأ في مسعى بري بلوغ الجلسة محاولة “عودة” للثنائي الشيعي إلى المعادلة، لا يبدو أن جعجع موافق عليها، بل يبدو عليه أنه مقتنع بعدم ضرورة أخذ رأي الشيعة مسألة تسمية المرشح الرئاسي أو حتى مشاركتهم في أي جلسة، إنما بإمكان المعارضة فرض الأسم، وهو أسلوب أزعج ويزعج عين التينة.