ضحك علينا”.. ضابط سوري يروي آخر ساعات “ليلة الخذلان” في قصر الأسد
الساعة 11 من مساء السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) بتوقيت دمشق. جلس أحد ضباط الحرس الجمهوري السوري بالقرب من إبريق ماء متوسّط السخونة، إلى جانبه قرعة المتّة، ونرجيلة كان قد أنهى للتوّ شربها بعدما أشرف على توزيع ضباط وعناصر حماية بشار الأسد من قصر الشعب أو المهاجرين، إلى قصر الروضة وملحقه قصر تشرين.
في تلك الليلة الباردة، كان جميع من هم موكلون بحماية الأسد مطمئنين وهادئين، حتى أنّ أيّ أوامر بتشديد الحراسة على الرئيس السوري لم تصلهم منذ أيام.
قُبيل منتصف الليل، وعندما كان الضابط لا يزال يستمتع بالمتّة رنّ هاتفه. اتصال وارد من صديقه الإيراني الذي يعمل في وزارة الخارجية، سأله عن أحواله ومكانه فأجاب. ليردّ عليه: “ماذا تفعل هناك؟ أنتم جالسون حوله ولا تدرون أنّه سيغادر؟ لقد باعوك. اذهب إلى منزلك”.
يقول الضابط الشاب لـ”النهار”: “صُدمت بكلام صديقي، وانتابتني مشاعر متضاربة بين تصديق ما سمعت وإنكاره. حتى تلك اللحظة لم يكن أحد قد أبلغنا بشيء”. ويضيف: “كان حولي عدد من العناصر الذين سمعوا الحديث. ساد صمت تام. أشعلت الفحم وجهزت نرجيلة أخرى، وجلست أنفخ الدخان وأفكّر، كان قلبي سيتوقّف”.
أكثر من نصف ساعة بلا أي تعليق من أحد، حتى كسر أحد الجنود الصمت قائلاً: “سيدي أنا رايح (ذاهب)”. بعدها بدأ العناصر بالانسحاب واحداً تلو الآخر.
أثناء ذلك، تقدّم أحد العمداء نحو الضابط ورفاقه، وهو مسؤول إحدى وحدات الحماية الثلاث. وعند سؤاله إياهم عما يجري من فرار للعناصر تلقى اتصالاً على هاتفه. يقول الضابط في الحرس الجمهوري: “لقد ميّزت الصوت الذي خرج من الهاتف فوراً. كان الرئيس يقول له: لا تُدخل أحداً”. هذا آخر ما سمعه العميد والضباط والعناصر من الأسد في تلك الليلة، وكانت الساعة 2 فجراً.
“قال لنا العميد إنّ الأمور جيّدة. طلب منا انتظار التعليمات وعدم إخلاء المواقع… لم يكن يعلم شيئاً”، يعقّب الضابط.
الساعة 3 من فجر الأحد 8 كانون الأول بتوقيت دمشق.
مع تدفّق الأخبار عن سقوط حمص ووصول المسلحين إلى مشارف العاصمة السورية، عمّت الفوضى في محيط قصور الأسد، وفرّ من بقي من ضباط وعناصر حماية، بعدما أعطيت الأوامر للجيش بالانسحاب دون أن يبلغهم أحد.
يقول الضابط: “ودّعنا بعضنا بعضاً وكنا نبكي. أحدهم قال لي: بشوفك إذا بقي عنّا بيوت”. ويروي: “تركنا مراكزنا وغادرنا، لم نكن نخلي مركزاً عادياً، بل القصر الجمهوري! شعرت بغصّة كبيرة”. ويتابع: “لقد خلعنا ملابسنا ورميناها مع أسلحتنا في الشوارع كي لا نتعرّض للقتل. شعرنا بذلّ كبير، وبعضنا ضُرب في الطريق إلى منزله وسُرقت سيارته وهاتفه وماله، ومنهم العميد الذي لم نسمع عنه شيئاً منذ تلك الليلة”.
يضيف بحسرة: “كنا مستعدّين للموت من أجله، لكنّه أتى بهم إلينا وتركنا وذهب دون أن يبلغ أحداً، حتى ضباط وعناصر موكبه لم يعلموا شيئاً عن طريقة رحيله، لم يأخذ معه أحداً… لقد كان في مكتبه بالمالكي واختفى ببساطة”.
ويختم الضابط الموكل بحماية الأسد: “لم أشعر بحياتي بخذلان كهذا. لقد ضحك علينا”.
نادر عزالدين – النهار