“الحزب” يُطمئِن الجيش ولكن
لم يُشكّل بدء المرحلة الأولى من انتشار الجيش في جنوب الليطاني في “مناطق الانسحاب” رادعاً للعدوّ الإسرائيلي لوقف خروقاته. بدا بيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الوحيد منذ دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، كمن يستفيق من غيبوبة طويلة، بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية تفرّجت خلالها الحكومة على الخرق الفاضح والمهين لاتفاق وقف إطلاق النار من دون أيّ ردّة فعل.
يحصل ذلك فيما تؤكّد معلومات “أساس” أنّ “الحزب” أعطى ما يُشبِه التفويض الكامل للجيش بسحب ما بقي من السلاح جنوب الليطاني تحت مظلّة التنسيق بين الطرفين.
ترافق دخول الجيش اللبناني فجر يوم الأربعاء مدينة الخيام بخرقٍ إسرائيلي كبير عبر استهداف وسط المدينة بمسيّرة إسرائيلية واستكمال القصف الجوّي لمناطق جنوبية، فيما كانت طائرة الاستطلاع، ولا تزال، تنكّل بالاتّفاق جوّاً وعلى علوّ منخفض وصل إلى مسامع رئيس الحكومة داخل السراي، وصولاً إلى غرف نوم “مُباركي” الاتّفاق.
بدا هذا المشهد عيّنة من أسلوب العدوّ، بعد 18 يوماً من تطبيق الاتفاق، بما يَخدم “حرّيّة حركته” التي مَنَحها لنفسه، والتي كرّست حتى الآن حصول نحو 215 خرقاً للاتفاق وسقوط 29 شهيداً.
بالتالي طُرحت تساؤلات عديدة حول المدّة الباقية لتنفيذ الاتفاق حتى 27 كانون الثاني المقبل، التي من المفترض أن تشهد انسحاب عناصر “الحزب” والقوات الإسرائيلية وانتشار الجيش في كامل جنوب الليطاني، ومصير ما بعد مرحلة الـ60 يوماً، لناحية مدى التزام إسرائيل بعدم الاعتداء على لبنان أو استهداف ما تصنّفه “أهدافاً مشبوهة وعناصر مخرّبة”.
تبدو خيارات “الحزب”، خصوصاً بعد الزلزال السوري بسقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، ضيّقة إلى أبعد الحدود
جميع مواقف قيادات “الحزب” تحمّل الحكومة والجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” ولجنة المراقبة المسؤولية عن معالجة هذه الخروقات. أكّد نائب “الحزب” حسن فضل الله أنّ “الحكومة هي من تعطي التعليمات للجيش من أجل اتّخاذ الموقف المناسب، ونحن لا نقول لهم أن يقوموا بحربٍ، وإنّما نقول لهم إنّه يجب أن تكون هذه المنطقة في جنوب الليطاني في عهدة الدولة كما كان يُطالب البعض”.
تبدو خيارات “الحزب”، خصوصاً بعد الزلزال السوري بسقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، ضيّقة إلى أبعد الحدود. على الرغم من تنفيذ “الحزب” في 2 كانون الأول ما قال إعلامه الحربي بأنّه “ردّ دفاعي أوّلي تحذيري” على الخروقات الإسرائيلية عبر استهدافه موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا الخارج عن نطاق القرار 1701، انضوى “الحزب” بشكل واضح تحت سقف الاتّفاق تاركاً للحكومة والجيش التصرّف.
أتى ذلك في ظلّ موقف عَكَسَه لاحقاً النائب فضل الله عبر قوله: “المقاومة تعرف كيف تعيد بناء قدراتها مهما كانت الأوضاع حولها. وهي باقية ومستمرّة وحاجة وطنية”، بينما يكرّر نواب الحزب مقولة: “ضبط النفس قد لا يطول”.
أحد أوجه التواصل بين الجيش و”الحزب” تُرجِم في اللقاء الذي جَمَعَ رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في “الحزب” وفيق صفا مع قائد الجيش في اليرزة قبل نحو أسبوعين بحضور ممثّل حركة “أمل” أحمد بعلبكي.
“زبدة” الاجتماع مع قائد الجيش ارتكزت على تقديم التطمينات لقيادة الجيش بالدور “المُسهّل والمُتعاون” لـ”الحزب” ضمن مسار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، تحديداً في ما يتعلّق بسحب ما بقي من سلاح عائد للمقاومة في منطقة جنوب الليطاني.
في مقابل لجنة مراقبة لتنفيذ وقف إطلاق النار بإدارة أميركية مباشرة ومشاركة لبنان وإسرائيل وفرنسا والأمم المتحدة، سيحرص “الحزب” على أن يكون الطرف الحاضر الغائب عن اللجنة، من خلال التنسيق بين الجيش والمقاومة. وذلك مع تسليم “الحزب” بأنّ الإسرائيلي سعى إلى أن يقوم بجزء كبير من المهمّة عن الجيش، ضمن أجندته الأمنيّة، لناحية ضرب ما يعتبره مخازن أسلحة وأنفاقاً ومنصّات صواريخ منذ إعلان وقف إطلاق النار.
كان لافتاً في اليومين الماضيين تعميم مصادر عسكرية (قيادة الجيش) على بعض وسائل الإعلام ما مفاده بأنّه ليست هناك خطة واضحة لانسحاب الجيش الإسرائيلي (بعد الانسحاب من الخيام) من الأماكن الموجود فيها، على أن يتمّ ذلك على مراحل عبر إبلاغه بالانسحابات لـ”اليونيفيل” التي بدورها تُبلّغ بها الجيش. وهذا ما يؤثّر تلقائياً على جدول انتشار الجيش جنوب الليطاني.
وفق المعلومات، أتت زيارة وفيق صفا ضمن سلسلة زيارات أخرى لقادة الأجهزة الأمنيّة التقى خلالها بمفرده كلّاً من المدير العام للأمن العامّ اللواء الياس البيسري والمدير العامّ لأمن الدولة اللواء طوني صليبا “ضمن إطار الشكر لجهود الأجهزة الأمنية ووضعها في المعطيات الراهنة لـ”الحزب” والوضع في الجنوب”، فيما انتقل الحاج وفيق إلى هذه المقرّات بموجب إجراءات أمنيّة استثنائية غير اعتيادية ضمن إطار التمويه.
كما عَلِم “أساس” أنّ صفا التقى رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل. وباستثناء عبارات الاطمئنان على صحّة الحاج بعد محاولة اغتياله، لم يكن اللقاء ودّيّاً، بل شَهِد نقاشاً متوتّراً على خلفيّة موقف باسيل بخطأ إعلان “الحزب” لحرب إسناد غزة ونتائجها الكارثية على لبنان و”الحزب”.
في السياق نفسه، تؤكّد مصادر أنّ “ما يجري في سوريا، وتحديداً لجهة تكريس الاحتلال للجولان السوري والمنطقة العازلة واستباحة كلّ سوريا، وقبلها الانتهاكات لقرار وقف إطلاق النار في لبنان، سيعطي مشروعيةً لتمسّك “الحزب” داخلياً بعدم تسليم سلاحه كأنّه فريق مهزوم، فيما إسرائيل تطلق يدها من دون رادع”. وتشير إلى أنّ “هذه القضيّة ستشكّل مفصلاً في علاقة “الحزب” مع حلفائه وخصومه في الداخل في المرحلة المقبلة، لا سيّما أنّ اللغز الأكبر سيتمحور حول وجهة السلاح بعد سحبه من جنوب الليطاني ومصير السلاح في باقي المناطق اللبنانية”.
ملاك عقيل- أساس ميديا