بورصة الرئاسة بين “شرط” قطر و”رهان” السعودية
بورصة الرئاسة بين “شرط” قطر و”رهان” السعودية
“صناعة لبنانية مئة بالمئة”، شعار يغيب عن أجندات مختلف القوى السياسية التي تراهن على الاستئثار بالموقع الرئاسي الأول، إذ ما زالت ترتهن لخيارات الخارج، حيث يُستشف من خلالها أي المرشحين يحظى بدعم خارجي يُمهد الطريق أمام وصوله.
اليوم، تتركز بورصة الأسماء على ثلاثة مرشحين مدعومين من دول خارجية، التي تخوض منافسة حادة لإيصال مرشحها، إلا أن هذا التنافس بات محصورًا بين قطر والسعودية.
فبحسب ما يتردد عن زوار دار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، تدعم السعودية قائد الجيش العماد جوزاف عون للوصول إلى الرئاسة، بينما حسمت قطر خيارها منذ وقت طويل وبشكل علني بدعم اللواء إلياس البيسري، المدير العام للأمن العام. من جهتها، تسعى فرنسا إلى حجز موقع لها عبر تزكية الوزير السابق زياد بارود، إلا أن دعمها لا يبدو بالمستوى المطلوب.
وفي هذا السياق، يُمثّل تصريح أحد النواب السنة، بأن انتخاب رئيس الجمهورية لن يحصل كما هو متوقع في 9 كانون الثاني في حال عدم التوافق على قائد الجيش، إشارة واضحة تعكس وجود دعم سعودي غير خفي للعماد جوزاف عون.
لكن هذه “الصحوة السعودية المتأخرة” لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد التطورات السورية الأخيرة التي بدّدت حالة الاسترخاء السعودي، في محاولة لاستعادة موقعها بعد أن استأثرت قطر وتركيا بالمشهد السوري. ومع ذلك، تبدو هذه الصحوة عاجزة عن إحداث خرق فعلي أو إيصال مرشحها إلى سدة الرئاسة، حيث ستُواجه رفضًا من الثنائي الشيعي الذي يُقايض الموافقة على انتخاب أي رئيس بشرط إعادة الإعمار كأولوية أساسية لديه.
في المقابل، أظهرت دولة قطر إدراكًا أكبر لهذه المعادلة، حيث تعزّز دعمها للواء إلياس البيسري بقطع وعود واضحة تتعلق بإعادة الإعمار. ويأتي هذا التحرك القطري استنادًا إلى التطورات الإقليمية الأخيرة التي تصب في مصلحتها، إذ أن تقارب النظام السوري معها يُتيح لها دورًا محوريًا في الملف اللبناني، وهو ما يُرضي القوى الشيعية التي تُعاني اليوم من أعباء التدمير وضرورة إعادة الإعمار. كما أن وصول البيسري، المدعوم قطريًا، يمكن أن يُحقق نوعًا من التوازن بين الطائفة السنية والكتلة المسيحية المتمثلة بالوزير السابق جبران باسيل.
وعليه، فإن المواجهة الباردة بين السعودية وقطر على الساحة اللبنانية تُحكمها مجموعة من العوامل، سجلت فيها قطر بعض النقاط المهمة. ومع ذلك، تبقى إعادة الإعمار هي العامل الحاسم. فالسعودية، إذا ما أدركت أهمية هذا الملف مبكرًا، قد تتمكن من تسديد “الهدف” في مرمى قطر واستعادة دورها المتراجع في لبنان والمنطقة. لكن الوقت ليس في صالحها، خصوصًا أن الموعد المحدد للجلسة “المثمرة” التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 9 كانون الثاني يبدو أنه يستند إلى وعود قطرية، وهو ما يُفسر الإيجابية التي تطغى حاليًا على خطاب عين التينة.