هل تغيّرت أولويات العدو في مواجهة لبنان
لقد كان موقف الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم دقيقاً في مضمونه وسياقه وتوقيته، مع إعلانه بأن توفير الفرصة للدولة اللبنانية لمنع الخروقات الإسرائيلية “لا يعني أنّنا سنصبر لمدة 60 يوماً ولا يعني هذا أنّنا سنصبر أقل أو أكثر من 60 يوماً”، مشيرا بذلك إلى أن المقاومة قد تبادر إلى الرد قبل أو بعد انتهاء هذه المدة، وأن المسألة مرتبطة بقرارها حول التوقيت المناسب، بالمبادرة إلى حماية السيادة اللبنانية ومواجهة الخروقات الإسرائيلية. وقد تزامن الموقف مع تقارير عن تخطيط جيش العدو للبقاء في نقاط في جنوب لبنان بعد 27 كانون الثاني الجاري، وعن أن إسرائيل ستبلغ الولايات المتحدة بذلك.
كان موقف الشيخ قاسم في مقابل بديلين لكل منهما يترتب عليه من نتائج وتداعيات قد لا تكون في مصلحة لبنان والمقاومة. الأول أن يلتزم “حزب الله” بعدم الرد مطلقاً خلال الستين يوماً، أو أن يلتزم العكس بأنه سيعمل بالتأكيد ضد قوات الاحتلال ما دامت توجّه رسائل بأنها معنية بتمديد بقائها في المنطقة الحدودية.
ينطوي الموقف الأول على رسائل مردوعية كونه يؤشر إلى رسائل طمأنة، يمكن أن تغري العدو وتدفعه لمزيد من التجرؤ والذهاب إلى أبعد مدى. فيما يقدّم الموقف الثاني، حزب الله كما لو أنه حال دون قيام الدولة اللبنانية ولجنة الإشراف بواجبهما في كبح العدو. ويتحول بذلك إلى شماعة. أضف إلى أنه يشكّل خرقاً لوقف النار الذي يُبرر للعدو التمادي أكثر في اعتداءاته.
يبرّر العدو توجهه بتمديد بقاء قواته، بحسب “يديعوت أحرونوت”، بثلاثة أسباب. منها ما يتعلق باستكمال مهمته في البحث عن البنى التحتية لحزب الله التي لا تزال ضمن المناطق التي يسيطر عليها! وأخرى تتصل بعدم استكمال بناء المواقع العسكرية لحماية المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية. أما السبب الرئيسي بحسب “يديعوت”، فإن الجيش اللبناني لم ينشر قوات كافية إلى حد الآن من أجل القيام بدوره المنصوص عليه في اتفاق وقف النار. أضف أن المستوطنين يحتاجون إلى مزيد من الأشهر حتى يمكن أن يعودوا بأمان إلى مستوطناتهم.
ما قدّمه العدو ليس يمثّل واجهة لأسباب وخلفيات مغايرة لما تقدّم. فهو معنيّ وفي ضوء العقيدة الأمنية التي تطورت في أعقاب طوفان الأقصى، بإنتاج منطقة عازلة في جنوب الليطاني، انطلاقاً من مفهوم جديد أدخله على عقيدته لمواجهة المخاطر، وهو أن إسرائيل غير مستعدة للتكيف والتعايش مع قوى معادية تملك القدرة على مفاجأتها في المستقبل. ودافعه في ذلك أن المخاطر التي تترتب على ذلك أكبر مما كان متوقّعاً بدليل ما حصل في طوفان الأقصى انطلاقاً من غزة، وبعدما ثبت أن إسرائيل غير قادرة على الإحاطة الاستخبارية التي تمكّنها من استباق هذا الخطر بالضرورة.
يُضاف إلى ذلك، أن إسرائيل تراهن على أن “حزب الله” قد يرتدع عن خيار مواجهة الخروقات الإسرائيلية، حتى لو قرّرت إبقاء جزء من قواتها في بعض النقاط المتاخمة للحدود اللبنانية الفلسطينية، تجنباً لعدم الدفع نحو مواجهة عسكرية تكرر سيناريو الحرب. ويمكن التقدير أن المتغيّر السوري هو الأكثر حضوراً لدى قيادة العدو لجهة إمكانية أن يؤثّر على خيارات “حزب الله” في مواجهة ما قد يفعله العدو.
مواقف ورسائل العدو يمكن إدراجها بين محاولة جس النبض والتمهيد لتنفيذ قراره بالبقاء في بعض النقاط. ولذلك كان من المهم جداً في هذا السياق أن يدلي “حزب الله” بمواقف حاسمة في هذا الاتجاه. ولولا ذلك لما شهدنا محاولة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، التأكيد على أن “الانسحابات ستستمر حتى تكون قوات الجيش الإسرائيلي خارج لبنان بشكل كامل” بغضّ النظر عن مدى صدقه وأنه يحاول أيضاً الالتفاف على إمكانية أن تبادر المقاومة إلى ردود على الخروقات الإسرائيلية. في كل الأحوال، المؤكد أنه بغضّ النظر عما ستؤول إليه التطورات لاحقاً، لن يُسلم لبنان والمقاومة باستمرار احتلال أجزاء من الأراضي الجنوبية، وأن
واشنطن وتل أبيب ستكتشفان تباعاً خطأ تقديراتهما وهشاشة رهاناتهما.
المصدر: الأخبار – علي حيدر