اخبار دولية

شرق أوسط مختلف يطلّ عليه ترامب من شرفة البيت الأبيض

واشنطن – جهاد بزي -“النهار”

يحب دونالد ترامب استنساخ لحظات كبيرة في التاريخ المعاصر يكون هو بطلها كما كان رؤساء أميركيون سابقون أبطالها.

في فترته الأولى جهد في سبيل الوصول إلى هذه اللحظات التي تشبه أحداثاً مفصلية، منها اثنتان “تاريخيتان”، جيمي كارتر واتفاقية كامب ديفيد، وبيل كلينتون واتفاق أوسلو. “اتفاقيات إبراهام” بين كلّ من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين كانت واحدة من أبرز ما سوّق لها بصفتها إنجازاً حققه الرئيس الذي لم يبد يوماً زهده بجائزة نوبل للسلام، وإن كان غالباً ما يعترض على عدم منحه إياها، أسوةً بكارتر وباراك أوباما.

ترامب، الذي يطرح نفسه رجل سلام، كان على مشارف نهاية ولايته حين وقعت الاتفاقية في العام 2020، السنة ذاتها التي افتتحها باغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، ولحقها ما لحقها من قلق عالمي من تدهور الأمور بين البلدين إلى مواجهة عسكرية.

بفارق تسعة أشهر، انتقل خلالها من احتمال إشعال الشرق الأوسط إلى تحقيق تطبيع للعلاقات الإسرائيلية مع أربع دول عربية (انضمت المغرب والسودان لاحقاً إلى اتفاقيات إبراهام)، كان ينتظر تتويجها بجائزة كبرى لم تتحقق، أي اتفاق سعودي – إسرائيلي.

إضافة إلى هذه الاتفاقيات، كان ترامب سخيّاً بشكل خاص مع حكومة بنيامين نتنياهو. حسم قراراً لم يتخذه أيّ رئيس قبله بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، كما اعترف بسلطة إسرائيل على المناطق المحتلّة في إسرائيل. سخاء لاقاه الإسرائيليون بتكريمه عبر إطلاق اسمه على أحدث مستوطناتهم في الهضبة، “ترامب هايتس”.

إيران، في المقابل، اضطرت إلى التعامل مع إدارة غاضبة عليها ألغت الاتفاق النووي، واستبدلته بسياسة “الضغط الأقصى”، التي يمكن اختصارها بإجبار إيران على توقيع اتفاق بشروط أميركية صرفة، وإلا فمزيد من العقوبات والعزلة والتهويل بالحرب.

كان  لبنان في قاع اهتمامات ترامب، أما سوريا فكان يريد سحب جنوده منها وتركها لمصيرها. ولا يزال حتى اليوم يتّهم باراك أوباما بأنه المسؤول عمّا آلت إليه الأحوال هناك بسبب تراجعه في اللحظة الأخيرة عن تأديب بشار الأسد حين تخطّى الخط الأحمر. ومع أنه وجه ضربة عسكرية فإن نتائجها على الأرض ظلّت مبهمة، كذلك في الوضع السياسي الذي مكّن روسيا وإيران من تثبيت النظام السوري، بينما كانت الولايات المتحدة معنيّة بالقضاء على تنظيم داعش.

بعد ثلاث سنوات على غيابه عن السلطة، لم يكن هناك من تغييرات على المشهد الشرق أوسطي، ثم أتى السابع من أكتوبر، ولحقته سنة التغييرات الجذرية المذهلة. وإذ يعود ترامب إلى البيت الأبيض ويطلّ من شرفته سيجد شرقاً أوسط ليس بالضرورة “جديداً”، لكنه حتماً مختلف عن ذاك الذي غادره. إيران خسرت قدرات حليفها الفلسطيني، وفقدت سوريا برمّتها، كنظام لصيق بها سياسياً، وكموقع جغرافي مطلق الأهمية في اتجاهاته الأربعة، كما انتهى الحال بابنها  اللبناني، حزب الله، إلى ما انتهى إليه من ضمور عسكري وسياسي شديدين، وسلطة وليدة منفتحة على الغرب والعرب، وتنادي بالحياد الإيجابي واحتكار الدولة لحمل السلاح. 

إيران تبدو الملف الأول على مكتب ترامب الرئاسي لدى دخوله مكتبه البيضاوي. اتفاق غزة  فرضه مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف على بنيامين نتنياهو كما فرض عليه اللقاء يوم السبت، غير آبه بالقدسية اليهودية للراحة خلاله. ويتكوف الذي يعاني من نقص فادح في اللغة الدبلوماسية أقرب إلى رجل أعمال، عينه على الغاية مهما كانت الوسيلة: يجب إيقاف الحرب واستعادة الرهائن قبل تنصيب دونالد ترامب. هناك سبعة رهائن من الأميركيين يُعتقد أن ثلاثة منهم في عداد الموتى؛ هؤلاء قال ترامب إن أبواب الجحيم ستفتح في الشرق الأوسط ما لم يخرجوا قبل تنصيبه. نتنياهو الذي لم يكن مستعجلاً طوال الأشهر الماضية لعقد الصفقة يبدو الآن مستعداً، فصديقه الأميركي يريد أن يقطف لحظة تاريخية أخرى كتلك التي قطفها رونالد ريغان في العام 1981، حين أقلعت الطائرة المحملة بالرهائن الأميركيين من إيران بينما كان يتلو قسم الرئاسة.

وإذا ما تم لترامب ما يريده قبل التنصيب، فالشرق الأوسط الذي سيطل عليه سيبدو في الظاهر أكثر سلاماً وأقرب إلى مصالح الولايات المتحدة من أي وقت مضى، لكنه أيضاً شرق أوسط لا يتوقف عن الغليان، تماماً كما الرئيس الجديد لأميركا الذي يفضّل التجارة على الصراعات، ويتوجّس من انعكاس أيّ تغيير كذلك الذي وقع في سوريا، ليس على السوريين بالضرورة، بل على مصالح أميركا وأمنها، كما على الحليف الإسرائيلي، الثابت الوحيد أميركياً بالرغم من كل المتغيرات، وقد رفع للرئيس لافتة عملاقة على طول مبنى ضخم في تل أبيب تهنئه بفوزه، وتطلب منه أن: “اجعل إسرائيل عظيمة مجدداً”، من دون أن تشرح اللافتة ما المطلوب من ترامب أن يفعل من أجل إسرائيل أكثر مما فعل. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com