“عون يحكم… والبقية يتفرّجون”

ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي
حُسمت التعيينات الأمنية الكبرى، وجاءت النتيجة كما أرادها رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي فرض خياراته بوضوح، غير آبه باعتراضات رئيس الحكومة نواف سلام أو رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهكذا، جاءت التشكيلة الأمنية وفق رؤية عون: العميد رودولف هيكل قائداً للجيش، العميد رائد عبدالله مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، العميد إدغار لاوندوس مديراً عاماً لأمن الدولة، والعميد حسن شقير مديراً عاماً للأمن العام، في تغييرات جذرية تُعيد رسم الخريطة الأمنية بالكامل.
المفاجأة لم تكن فقط في نجاح عون بفرض خياراته الأمنية، بل في الاستسلام الكامل لنواف سلام، الذي لم ينجح في تمرير أي من الأسماء التي اقترحها. فبعدما أطاح عون بخيار خالد حمود في قوى الأمن الداخلي، وقطع الطريق أمام مرشد سليمان في الأمن العام، تكرّس فشل سلام في حماية الحصة السنية داخل الدولة، ليُستكمل بذلك إخراج الطائفة السنية من مواقع القرار، بعد خروجها السياسي مع غياب تيار المستقبل عن المشهد.
والأخطر أن سلام لم يكتفِ بالتنازل في الملف الأمني، بل يتجه لتسليم منصب مدعي عام التمييز لرئيس الجمهورية، وهو الموقع الذي يُشكّل سلطة قضائية عليا تُشرف على الأجهزة الأمنية، ما يمنح عون نفوذًا غير مسبوق على المؤسستين الأمنية والقضائية معًا. وبهذا، يصبح رئيس الجمهورية اللاعب الأقوى في التوازنات الداخلية، في حين يقف رئيس الحكومة متفرجًا على تجريد موقعه من صلاحياته، تاركًا الطائفة السنية بلا تمثيل فعلي داخل السلطة.
لكن المأساة لا تقتصر على الداخل اللبناني، بل تمتد إلى التدخلات الخارجية، حيث باتت اللجنة الخماسية أشبه بـ “لجنة فاحصة” تُقرّر من يصل إلى المناصب ومن يُستبعد، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية. وما يزيد الطين بلّة أن القوى السياسية، بدلًا من مقاومة هذا التدخل، تبدو وكأنها تتسابق لنيل رضا اللجنة، حتى لو كان الثمن التخلي عن القرار السيادي اللبناني لصالح إملاءات خارجية.
ما يجري اليوم ليس مجرد تعيينات أمنية، بل إعادة رسم لمعادلات السلطة في لبنان. فبينما يُمسك عون بكل الخيوط، يقف سلام في موقع المتلقي، مكتفيًا بالموافقة على إقصاء الطائفة السنية من مراكز النفوذ. أما بري، الذي لطالما كان شريكًا في القرار، فيجد نفسه هذه المرة خارج دائرة الفعل، بعد أن فشل للمرة الأولى منذ 2005 في إيصال مرشحه الشيعي إلى موقع أمني.
إنها لحظة تحوّل مفصلية في المشهد السياسي اللبناني، حيث يفرض عون واقعًا جديدًا، مستفيدًا من تراجع الآخرين وتخاذلهم. فهل يكون هذا التغيير بداية مرحلة جديدة من التفرد بالسلطة، أم أن ارتدادات هذا المشهد ستُشعل مواجهة سياسية في المرحلة المقبلة؟ الأيام المقبلة ستكشف إن كان لبنان قد دخل رسميًا في معادلة “عون يحكم… والبقية يتفرّجون”!