اخبار محلية

هُسّْ.. لا تتلفَّظ بها

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

لم أفهم لعبَتَين لطالما كانتا للمراهقين في جيلي تُصَنَّفان في خانةِ الألعابِ الثقافيةِ أو قُلْ الألعابِ الاجتماعية. الرّيسْك ( Risk) والمونوپوبلي ( Monopoly ). الأولى عبارةٌ عن خريطةٍ مِن كَرتونٍ لقاراتٍ سِتّ(اللعبة كانت تستندُ إلى سِتِّ قارّاتٍ قبل اعتمادِ القارّاتِ السَّبع على كوكب الأرض) يتنافسُ على احتلالِ يابسَتِها وبحارِها لاعبانِ في الحدِّ الأدنى و ستّةُ لاعبينَ على الأكثر. الثانية عبارةٌ عن رحلةٍ عبر مربعاتٍ متتاليةٍ تتيحُ للمتنافسينَ الاستحواذَ على عقاراتٍ وناطحاتِ سحابٍ والتداولَ في سبيل تحقيقِ ذلك بعملةٍ ورقيةٍ خاصةٍ والتنعُّمَ بالثروةِ الفاحِشَةِ أو مواجهةَ متاهاتِ الإفلاسِ وعقوبةِ السجن.

ترامب وبوتين وشي جي بينغ يلعبون. القاراتُ السَّبعُ تحت رحمةِ السلاح النووي الذي تُطلقه حقائبُ صغيرةٌ من البيتِ الأبيض، من الكرملين ومن القصر الشعبي الرئاسي الصيني.
حقائبُ تدمّرُ العالمَ بكبسةِ زرٍّ تُحجِمُ أصابعُ القادةِ هؤلاء عن الضغطِ عليها لا لشيءٍ إلا لأنَّ تدميرَ العدو لا يضمنُ عدمَ وصولِ الغبارِ النووي إلى من أطلقَه. القنبلةُ النوويةُ عالةٌ على من يمتلكُها أكثرُ منها عالةً على من تُطلَقُ عليه.


العالمُ لعبةٌ والقادةُ غِلمانٌ يلعبون. امتلاكُ ثرواتِ العالم أهمُّ من الدفاعِ عن حقوقِ شعوبه. في فلسطينَ يريدُ ترامب بيعَ غزَّةَ لهواةِ المنتجعاتِ السياحية. يريدُها ريڤييرا الشرق الأوسط بدل غزَّةَ هاشِم. التّيتانيوم والّليثيوم والغاز في أوكرانيا أهمُّ لبوتين من كرسي البطريرك ” كيريل” في موسكو. استعادةُ تايوان وتأديبُ “تْساي إن غوين” رئيستُها أهمُّ بالنسبة لبكين من ثورةِ ” ماو تسي تونغ ” وفلسفة ” لاو تسو ” . إلتِهامُ الأرض. الأرضُ هي مؤشِّرُ السلطة. الأفرادُ يستثمرون في العقار. الدُّوَلُ تستثمرُ في القارّات.

” الرّيسْك ” في الشرق الأوسط. إسرائيل ضيّقةٌ صرَّحَ ترامب. يجب توسيعُها. توسُّعُ قصفِها السجَّادي على الجنوب من شأنِه أن يوسِّعَها. أُنسوا إعادةَ الإعمار. على أهميتِها هي ثانويةٌ في ” الرّيسْك “. العدوُّ مستعدٌ لقصفِ البيوتِ البلاستيكيةِ والمستوعباتِ المؤقتةِ لمنعِ العودة. العودةُ تعني عودةَ الأرضِ إلى مالِكيها. المشروعُ الإسرائيليُّ يقومُ على نزعِ سنداتِ الملكيَّة. كلُّ الجنوبِ يجب أن يصيرَ مزارعَ شِبعا. غدًا سيضطرُّ لبنانُ الرسميُّ لإثباتِ ملكيةِ الجنوب له وليس ملكيةَ المزارع فحسب وسيُقالُ له إذهبْ إلى الأمم المتحدة. قدِّمْ مستنداتِ انتماءِ الجنوبِ إلى لبنان. ستكونُ إسرائيلُ سبّاقةً أمميًا لتقديمِ مستنداتٍ تلموديةٍ تُثبتُ ملكيَّتَها للجنوب.

“مونوپولي ” أيضًا بنسخَةٍ مطوَّرَة. لا بيعَ ولا شراء. منعُ تمويل. الأذرعُ هي ” الأونروا ” و ” اليو أَس إيد ” وربما غدًا الضغطُ على البعثةِ البابويةِ حتى تتوقفَ عن تمويلِ تعليمِ يتامى المسيحيين في لبنان. سبقَ الضَّغطُ على القرض الحَسَن. قصفوا فلسَ الأرمَلَة ورغيفَ اليتيم. التجويعُ هو الأسلوب. الضمُّ والفرزُ هما الهدف. كما في غزّةَ كما في لبنان. في سوريا لا حاجةَ إلى تهجيرِ أحدٍ فقد تمَّ تهجيرُ بشّار الأسد واحتلالُ جنوبِها ومحاولةُ التغزّل بأقلياتِها على قدمٍ وساق.

هل تلاحظون أنَّ مفردَةَ ” المقاومة ” لم تعدْ مستساغةً في التداولِ السياسي؟ قريبًا سيُمنَعُ وضعُها في جمل مفيدة بقرار من الجامعة العربية بناءً على اقتراح مَجامِع اللغةِ العربية. التلفظُ بمفردة ” مقاومة” باتَ من المحرّمات وربما تعرِّضُ المفردَةُ قائلَها قريبًا لتسطيرِ محضرِ ضبطٍ بحقه أو حتى للحبس. (هُراء). ضمنَ الخطةِ أن يتمَّ فرزُنا مع وضد المقاومة. أن نتلهّى بحروبِنا الصغيرةِ على قاعدةِ أن فلانًا مقاومٌ وعلتانًا غيرُ مقاوم. في الماضي اختَلفنا وتقاتَلنا على قاعدةِ أنَّ هذا المفكّرُ قوميٌّ عربيٌّ ناصريٌّ وذاك قوميٌّ سوريٌّ مِن أنصارِ سعادة وذاكَ الآخَرُ قوميٌّ لبنانيٌّ من أتباعِ ” كمال يوسف الحاج” . حربُنا الجديدةُ مقاومٌ وغيرُ مُقاوِم.

المُبكي اضطرارُ ذوي الشهداء إثباتَ لبنانيةِ شهدائِهم. حربُ إثباتِ لبنانيةِ الجثامين. حربُ إلهاءٍ جديدةٍ وموضةٌ رائجةٌ يرتدي أزياءَها السياديون. ضحاياكُم قتلى أو شهداء؟ لعبَةٌ جديدةٌ قاتلة. يتهافتُ البعضُ على حجبِ لبنانيةِ الجثامين وهي لمّا تزلْ تحتَ الأنقاض. أنقاضٌ وطنيةٌ.. رفاتُ لبنانيةِ لبنان فسبحانَ من يُحييها وهي رَميمُ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com