الفريقان على “عنادهما”.. هل أخفقت جلسة 14 حزيران في التأسيس للحوار
الفريقان على “عنادهما”.. هل أخفقت جلسة 14 حزيران في التأسيس للحوار
“هيا إلى الحوار”. عبارة قالها كثيرون بعد انتهاء جلسة 14 حزيران، التي أخفقت في انتخاب رئيس للجمهورية، وثبّتت مرّة أخرى عجز أيّ فريق عن “فرض” مرشحه على الآخرين، من دون أيّ تفاهم أو توافق مسبق. بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال إنّ انتخاب رئيس لن يتحقّق إلا بسلوك طريق الحوار، وقالها “حزب الله” الذي استبق نوابه الجلسة بالدعوة إلى وضع كلّ الخيارات على طاولة الحوار.
قالها أيضًا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية عندما شكر النواب الذين انتخبوه على ثقتهم، معتبرًا ما حصل في الجلسة “دافعًا لحوار بنّاء مع الجميع”، حوار كان قد دعا إليه أساسًا في كلمته نهاية الأسبوع الماضي. تناغم بذلك، بشكل أو بآخر، مع ما قاله بعض خصومه، قبل الجلسة. بينهم من صوّتوا لأزعور على قاعدة “تجرّع السم”، وفق توصيف النائب “التغييري” إبراهيم منيمنة، واستنادًا إلى أنّ ما بعد الجلسة “حديث آخر”.
كان “الرهان” على أن تفصل الجلسة بين مرحلة وأخرى، فتُطوى معها صفحتا المرشحين الرئاسيين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، أو أحدهما على الأقلّ. لكنّ ما حصل لم يوحِ بذلك. خرج الفريقان متباهيين بـ”الانتصار”، فاعتبر داعمو فرنجية أنّه ثبّت ترشيحه ورسّخه، وأنّه ازداد تمسّكًا به، فيما أكد المتقاطعون على أزعور أنّهم ماضون في “معركته”، ليُطرح السؤال “الجدّي”: هل أخفقت جلسة 14 حزيران في التأسيس للحوار؟!
ما كان مُنتظَرًا
لا يخفى على أحد أنّ الرهان على أن تفتح جلسة 14 حزيران الباب أمام الحوار كان كبيرًا، وأنّه كان رهانًا مشتركًا بين طرفي الصراع بصورة أو بأخرى، فمؤيّدو رئيس تيار “المردة” يدعون إلى التفاهم منذ اليوم الأول، بل إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري “بادر” أكثر من مرّة في هذا السياق، لكنّه كان يصطدم بـ”فيتو” بعض القوى، ولا سيما “التيار” و”القوات”، اللذين كانا يعتبران الحوار “بلا جدوى” في ظلّ الظروف الموضوعية المحيطة.
أما مؤيدو الوزير السابق جهاد أزعور، أو بالأحرى “المتقاطعون عليه”، فليس سرًا أنّهم أيضًا مدركون لعدم القدرة على القفز إلى الأمام، من دون الجلوس على طاولة واحدة، ولا سيما أنّهم في “رحلة الانتقال” من ميشال معوض إلى جهاد أزعور، أيقنوا أنّهم لن يستطيعوا “مواجهة” الفريق الآخر، من دون “التلاقي” معه، ولا سيما أنّ أيّ فريق لا يستطيع إيصال رئيس، طالما أنه لا يمتلك “سلاح النصاب”، القائم على 86 صوتًا، ولو بالحضور.
من هنا، كان “السيناريو المفترض” بالنسبة إلى هؤلاء، أن يكرّس هذا الفريق نفسه “منتصرًا مطلقًا”، إذا ما حصد جهاد أزعور أكثر من 65 صوتًا، أو تخطى حاجز الـ70 صوتًا مثلاً، كما صرّح أحد نواب المعارضة، وبالتالي فهو كان يراهن على الذهاب إلى الحوار “وفق شروطه”، وبعد “إسقاط” سليمان فرنجية، وهو ما لم يحصل، بعدما نجح الأخير في الحصول على 51 صوتًا، اعتُبِرت بمثابة “إنجاز” للفريق الداعم له.
“عناد” يطيح بـ”الحوار”
جاءت نتائج جلسة الانتخاب مخالفة للتوقعات، وربما الرهانات. ثبّتت الواقع القائم بشكل أو بآخر. ثبّت سليمان فرنجية مكانته، وحجز موقعه مرشحًا “جديًا” تقف خلفه كتلة صلبة ومتماسكة من النواب. في المقابل، ثبّت المتقاطعون على جهاد أزعور أنّ القفز فوقهم غير ممكن، ولو كان الأخير مرشح “تقاطع” ليس إلا، فهم قالوا بشكل أو بآخر “لا” لمرشح “الثنائي”، وهنا بيت القصيد.
لم تتغيّر المعادلات على الأرض إذًا، وبقي كلّ فريق على “عناده”، الأمر الذي أكّده رئيس “التيار الوطني الحر” في تغريدة له، حين أطلق المعادلة الجوهرية: “كلّ عناد سيقابله عناد آخر”. بكلام آخر، يقول العارفون، لم تنضج ظروف الحوار بعد، وبدل أن تؤسّس له جلسة 14 حزيران، يبدو أنّها أسهمت في “تعقيده” أكثر، مع تمسّك كلّ فريق بموقفه، ولو أنّها ثبّتت بين طيّاتها عجز الفريقين عن انتخاب رئيس، كل بمفرده.
تكمن المشكلة، وفق هؤلاء، بـ”عناد” الفريقين، فبمعزل عن “الفيتو” الذي تتمسّك به “القوات” ضدّ الحوار، باعتبار أنّ الوقت وقت انتخابات، وأنّ الأمر ليس “تفاهمًا عشائريًا”، يريد الآخرون الحوار، لكن بشروطهم، فـ”التيار الوطني الحر” مثلاً “يشترط” تخلّي “الثنائي” عن ترشيح سليمان فرنجية سلفًا، الأمر الذي لا يبدو واردًا عند الأخير، حيث يصرّ على أن يكون ضمن الأسماء المطروحة للنقاش، مراهنًا على “إقناع” الآخرين بالسير به.
عودٌ على بدء. هكذا تبدو الصورة بعد جلسة 14 حزيران. لعلّها ظروف الحوار التي لم تنضج، وتجعل كلّ فريق يتمسّك بموقفه، أو لعلّه “الانتصار المزعوم” الذي يتباهى به كلّ فريق، ولو بقي بلا أثر. إزاء ذلك، يُخشى أن يكون اللبنانيون على موعد مع “موسم آخر” من المماطلة، فتتواصل “المنازلة” بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور لأشهر، كما كانت بين فرنجية وميشال معوض سابقًا، إن لم يطرأ طارئ “يحرّك” الأمور من جديد!
لبنان 24