الإنترنت: التسعيرة 3 أضعاف…
علي نور الدين – اساس ميديا
لن تكمن أزمة المستخدِمين الفعليّة في معدّلات ارتفاع الأسعار، إذ إنّ مصادر الشركات الخاصّة العاملة في هذا القطاع تشير لـ”أساس” إلى أنّ قدرتها على الاستمرار بالعمل قد لا تتخطّى شهرين كحدٍّ أقصى، إذا استمرّت الظروف الحاليّة بالضغط على عمليّاتها، حتّى لو رُفِعت كلفة الاشتراكات. وقد يكون الحلّ الأخير الدخول في فترات طويلة من التقنين في خدمات الإنترنت، على غرار التقنين الحاصل في ساعات التغذية الكهربائيّة، أو التقنين المعتمد في مؤسسات المياه الرسميّة. وقد اضطرّت هيئة أوجيرو نفسها في العديد من المناطق إلى اعتماد جداول تقنين، في الحالات التي لم تتمكّن خلالها مولّدات الهيئة الخاصّة من مواكبة فترات انقطاع التيار الكهربائي الطويلة.
فما هي المشاكل الكبيرة في التي تهدّد قدرة الشبكة على الاستمرار؟
1- التعدّيات على معدّات وتوصيلات الشبكة نفسها في جميع المناطق، من خلال سرقتها وبيعها للحصول على الدولار الطازج. وتُحسَب كلفة استبدال هذه المعدّات والتوصيلات مقوّمةً بالدولار الطازج من المورّدين، في حين أنّ جميع الاشتراكات لا تزال مقوَّمة
بالليرة اللبنانيّة، ولم تُرفَع لتتناسب مع ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء. ومع كل ارتفاع في سعر الصرف، كانت كلفة استبدال هذه المعدّات ترتفع بشكل إضافي.
2- الكلفة التشغيليّة التي تتحمّلها جميع هذه الشركات، والتي ترتبط بدورها بفواتير الصيانة والتصليحات المقوّمة أيضاً بالدولار الأميركي. ويتحمّل القطاع أيضاً كلفة خدمات الشركات الأجنبيّة التي تزوِّده بالخدمات، وهي كلفة تُدفع بالعملة الصعبة أيضاً. أمّا المشكلة الكبرى، التي بدأت بالظهور منذ فترة، فهي عدم تمكّن الكثير من موزّعي الإنترنت في القطاع الخاص من الحصول على المازوت من السوق الشرعيّة حتّى بعد ارتفاع الأسعار الأخير، فتحوّلوا طلباً لهذه المادّة إلى السوق السوداء، حيث الأسعار أكثر ارتفاعاً.
أمّا أوجيرو فلديها مشاكل إضافيّة تختلف بطبيعتها عن مقدّمي خدمات القطاع الخاص. فمخصّصات الهيئة، التي تستفيد منها في الصيانة والتشغيل، مرتبطة بالاعتمادات المحدّدة لها في الميزانيّة العامّة.
ولمّا لم تقرّ الدولة أيّ موازنة عامّة هذه السنة، فقد حُدِّدت المخصّصات وفق القاعدة الاثني عشريّة،
أي وفق نفس أرقام الموازنة السابقة. وخلال النصف الأوّل من هذا العام فقط،
أنفقت أوجيرو ما يفوق كلّ المخصّصات التي حُدِّدت لها في ميزانيات العام الماضي،
نتيجة الارتفاع القياسي في سعر صرف الدولار وزيادة جميع التكاليف التشغيليّة،
بالإضافة إلى زيادة ساعات التقنين الكهربائي، التي رفعت من حاجة الهيئة إلى المحروقات لتشغيل مولّداتها.
نتيجة كلّ هذه الظروف، يتّجه القطاع إلى زيادة حتميّة في أسعار الخدمات، فيما لا يبدو أنّ هذه الزيادة ستكون كافية وحدها لتجنيب اللبنانيين تجربة تقنين الإنترنت المرّة.
وقد أكّد المدير العامّ لشركة أوجيرو عماد كريدية عدم واقعيّة استمرار التسعير على أساس سعر صرف 1507.5 ليرات،
لكنّه أكّد في الوقت نفسه أنّ المسألة تتخطّى نطاق صلاحيّات الشركة،
وأنّ الملفّ سيُبَتّ على طاولة الحكومة الجديدة فور تشكيلها.
أمّا وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حوّاط فنفى أن يكون لدى الوزارة هذه النيّة،
الأمر الذي يوحي بأنّه غير مستعدّ لتحمّل مسؤوليّة اتخاذ موقف في ما يخصّ هذا الملف
ما دامت حكومة تصريف الأعمال لا تملك صلاحيّة بتّه أصلاً. وبيّن تأكيد كريديّة ونفي حواط،
تبقى المسألة الأكيدة أنّ كرة النار ستنتقل إلى يدي وزير الاتصالات الجديد كائناً من يكن.
تؤكّد المصادر المقرّبة من رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي أنّه يضع نصب عينيه التعامل مع ملفّ الاتصالات
بجميع تشعّباته فور تشكيل الحكومة الجديدة، ومن ضمنه مسألتا الإنترنت والاتصالات الخلويّة.
خصوصاً أنّ ميقاتي يعتبر تراجع مداخيل هذا القطاع، بالتحديد، مسؤولاً عن تردّي واقع الميزانيّة العامّة إلى حدّ كبير.
لكنّ ميقاتي، ابن هذا القطاع وأحد كبار اللاعبين الدوليين فيه، سيحتاج أوّلاً إلى التعامل مع العديد
من الجوانب الماليّة والنقديّة المتعلّقة بالأزمة،
وخصوصاً على مستوى تدهور سعر الصرف الذي يمثّل اليوم المصدر الأساسي لمعظم أزمات
شركة أوجيرو وشركتي الاتصالات الخلويّة.
وعلى أيّ حال، من الأكيد أنّ ميقاتي سيواجه صعوبة في جذب استثمارات أجنبيّة إلى هذا القطاع بالتحديد،
في ظلّ التباين الشاسع بين مداخيله المقوّمة بالليرة، وبين النفقات المرتبطة بسعر الدولار في السوق السوداء.