استقرار سعر الصرف ليس مستداماً
يوم الجمعة الماضي، تحرّك سعر الصرف على بعض التطبيقات إلى 90 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، ما أثار انتباه مصرف لبنان باعتبار أنه لا يوجد ما يبرّر مثل هذا الارتفاع في سعر الصرف، كما أن تجاوز السعر لحاجز الـ90 ألف ليرة هو بمثابة عامل نفسي قد يطلق شرارة التدهور بعد أشهر من الاستقرار. ووفق المعلومات التي تجمّعت لدى مصرف لبنان، فإنّ هذه التطبيقات هي نفسها التي كانت تضارب سابقاً على الليرة، وإن كانت مسجّلة خارج لبنان في مصر وتركيا. وهذه التطبيقات سبق أن لعبت دوراً أساسياً في المضاربة على الليرة عبر علاقاتها مع الصرافين. لكنّ القلق تجاوز مسألة المضاربة في اتجاه شكوك نحو رغبة لدى جهات خارجية في تسعير حالة الفوضى، إنما ما حصل لاحقاً لم يتضمن أيّ مؤشرات فعلية على ذلك. بل عولج الأمر بالطريقة التقليدية، أي إن الجهات التي كانت تشتري وتبيع الدولار في السوق انسحبت لمصلحة تمويل الطلب في السوق، ما دفع هذه الجهات إلى التراجع عن السعر المحدّد في السوق، ولا سيما أنه لم تظهر مؤشرات تفاعل كبيرة معه. كذلك، لوحظ أن المصارف لم تشارك في هذه الألاعيب على غير عادتها. فالاتفاق مع مصرف لبنان هو أن تضخّ كمية من الليرات لا تتجاوز 50 مليار ليرة يومياً لكل مصرف، ولم يلاحظ وجود تجاوزات كبيرة لهذا الاتفاق باستثناء مصرف واحد ضخّ نحو 200 مليار ليرة في يوم واحد.
رغم ذلك، تقول مصادر مسؤولة، إنّ قدرة مصرف لبنان على تأمين الاستقرار النقدي مقبولة حالياً إنما ليست مستدامة، بل هي تكفي لبضعة أشهر، أي إنّ مصرف لبنان استطاع شراء بعض الوقت من الاستقرار لكنه لا يضمن استدامته. فالتكتيك المتّبع هو استعمال الأدوات الضريبية من أجل سحب الليرات من السوق، وهو الأمر الذي يحدث بالتنسيق بين مصرف لبنان ووزارة المال عبر اتفاق، على أن لا يتم تمديد مهل تسديد الضرائب إلا في اللحظات الأخيرة، حتى يتم دفع التجّار وأصحاب المصلحة إلى تصريف دولاراتهم في السوق للحصول على ليرات تغطي قيمة الضرائب المتوجّبة عليهم. ففي شهر تشرين الأول جمعت وزارة المال أكثر من 5 تريليونات ليرة من الضرائب أي ما يتجاوز 55 مليون دولار.
ويُعتقد أنّ القسم الأكبر من هذا المبلغ اشتراه مصرف لبنان عبر وسائط السوق الذين يعملون لحسابه.
في الواقع، لا يحظى استقرار سعر الصرف بأهمية واسعة فعلية، لأن استعمال الليرات في السوق بات محصوراً بالشكل الأساسي لتسديد الضريبة، فضلاً عن أن نسبة الليرات المستعملة في النشاط الاستهلاكي لا تتجاوز 20% من مجموع العمليات في إطار الاستهلاك، وفق تقديرات جهات مطلعة. بمعنى آخر إنّ الدولرة النقدية هي السائدة في السوق، إذ إن قيمة الليرات الموضوعة قيد التداول لا تتجاوز 600 مليون دولار، أي نحو ثلث ما كانت تمثّله الكتلة النقدية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. وبالتالي فإنّ الأثر الذي يمكن أن ينتج من التدهور في سعر الصرف لن يكون كبيراً في سوق تتّسم بدولرة نقدية واسعة، إنما سيصيب بقوّة شريحة من المقيمين هي الأفقر.
الاخبار