الرياض وباريس تبتزّان لبنان: انتخاب أو ضربة
يحلّ شهر شباط، مشوباً بالتشاؤم، حيال المرحلة الثالثة التي من المفترض أن يدخلها العدو الإسرائيلي في غزة، في مقابِل عدم وضوح السيناريو المفترض تنفيذه على الجبهة الشمالية مع لبنان، سيّما أن عمليات المقاومة من حيث التخطيط والتنفيذ وكثافة النيران، تُبقي احتمالية توسيع الحرب قائمة. وهذه هي الزبدة التي نقلها وزراء الخارجية الأوروبيون الذين زاروا بيروت والتقوا القيادات السياسية إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون، فضلاً عن الموفدين الغربيين والعرب العاملين على خط بيروت – تل أبيب. وكانَ لافتاً في الساعات الماضية، ارتفاع منسوب التهديدات التي تتناقلها وسائل إعلام عبرية وعربية، مستندة إلى معلومات تحدّثت عن تحركات عسكرية إسرائيلية فعلية حصلت في شمال فلسطين المحتلة، إذ «تمّ نقل عدد كبير من الآليات إلى المنطقة الحدودية، كما تمّ نقل لواء غولاني الذي خرج من قطاع غزة إلى الحدود مع لبنان».
واذا كان الكلام يركّز الآن على جبهة الجنوب، على اعتبار أنها مُقبلة على سخونة قد توازي العدوان على غزة، فإن الأمر يعزّزه فشل كل محاولات «خِداع» المقاومة بطروحات سياسية مقابل تعليق مساندة الفلسطينيين، وهو ما يجعل العدو أكثر ميلاً إلى تنفيذ عملية واسعة. وفي المعلومات، أن الضغط على لبنان في الأيام الأخيرة، حملته رسائل غربية وعربية بأعلى صوت وأعلى مستوى مقارنة مع الأشهر الماضية. وترافقت هذه الرسائل مع مواقف داخلية تتبنّى هذه التهديدات التي تُكال من مختلف الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، علماً أن ما شهدته الجبهة أخيراً من متغيّرات سيدخل حكماً في حسابات قادة العدو قبل إقدامهم على مغامرة جديدة في لبنان.
ما الذي استجدّ؟
يؤكد مطّلعون على الاتصالات، أن المفاوضات غير المباشرة لا تزال على حالها المجمّد بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في غزة، كاشفة أن التحذيرات المتناقلة، سرّبها بعض السفراء العرب وهي تصبّ في خانة الضغط على لبنان، ولأجل استثمارها في مكان بعيد عن الجبهة مع العدو، وتحديداً في الملف الرئاسي. ويكشف هؤلاء أن «بعض التسريبات، تربط، وبشكل غير مفهوم، موضوع الضربة الإسرائيلية بحل عقدة الملف الرئاسي، من دون فهم ماهية هذا الربط»، مشيرة إلى رسالة واضحة تحدّثت عن «ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في شهر آذار على أبعد تقدير وإلا ستكون هناك حرب إسرائيلية على لبنان». وبحسب المصادر فإن هذه الرسالة، وردت تزامناً مع حراك اللجنة الخماسية المعنيّة بالملف اللبناني، والتي تحاول منذ فترة الإيحاء بوجود مبادرة إقليمية – دولية مستجدّة من أجل التوصل إلى حلّ في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي هذا الإطار، تقاطعت معلومات أكثر من مصدر مطّلع، حول «تنسيق فرنسي – سعودي يجري بمعزل عن بقية دول اللجنة الخماسية الأخرى، ويحمل توجهاً يدفع في اتجاه معادلة رئاسية جديدة قوامها انتخاب قائد الجيش جوزف عون مقابل تسمية تمام سلام رئيساً للحكومة». ويتردّد أن هذا المقترح «تقدّمت به الرياض ودعمته باريس، التي كانت في البدء مؤيّدة لانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية»، غير أنها «عادت ورأت في الصيغة الوسطية الحلّ الأمثل، وهو ما تقترحه الرياض».
أما بشأن ربط الرئاسة بالتهديدات الإسرائيلية، فإن الأمر برأي جهات سياسية «محاولة جديدة في إطار إقناع حزب الله بالتنازل في ملف الرئاسة، بمعزل عن تطورات الجنوب، ويمكن وصفها بالابتزاز السياسي»، حيث «وجدت الرياض وباريس في هذا التوقيت الحساس فرصة لفرض ما تعتبرانه إنجازاً سياسياً لصالحهما، وبما يقطع الطريق على أي تسوية يُمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية لاحقاً في لبنان وتكون نتيجتها لصالح حزب الله وفريقه»، مؤكّدة أن «الكلام الداخلي الذي يتبنّى التهديدات ويشيعها يفعل ذلك بإيعاز من بعض السفراء في لبنان، دعماً لهذا الطرح».
وتلفت المصادر إلى أن «بقية دول الخماسية،وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية لا تتبنّى هذه المعادلة حتى الآن، وإن كان قائد الجيش هو مرشحها الجدي والوحيد». وعليه، تبدو هذه المعادلة إلى الآن، تسير في طريق مسدود، بسبب «التباين الكبير بين أعضاء الخماسية على إدارة الملف اللبناني، وهو ما ظهر في حركتهم في بيروت، رغمَ تلبيتهم دعوة السفير السعودي وليد البخاري إلى اجتماع في دارته في اليرزة، و لتي لم يكُن بالإمكان رفضها». ويبدو إلى الآن أيضاً، امتعاض السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون التي يُنقَل عنها كلام تنتقد فيه محاولات البخاري تنصيب نفسه في موقع قيادة اللجنة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة، وقد لمّحت إليه جونسون خلال الجلسة مع البخاري وباقي أعضاء اللجنة، مشدّدة على أن الكلام في الملف الرئاسي مع القيادات اللبنانية «يجب أن يقتصر في الفترة المقبلة على عناوين عامة من دون الدخول في أسماء». وقد وصفت مصادر مطّلعة الموقف الأميركي بـ «الواقعي»، إذ إن «ما نقله معه الموفد الرئاسي عاموس هوكشتين من لبنان إلى إدارته كان حاسماً لجهة أن الحزب ليس في وارد النقاش بملف الرئاسة حالياً، ولا يريد ربطه بالملف الساخن مع إسرائيل، وبالتالي فإنّ أي طرح هو في حكم الساقط».
ميسم رزق – الاخبار