ساعات وضعت البلد على”كف عفريت”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لا نقاش في ضرورة وأهمية فرض الأمن والنظام لاسيّما على الطرقات، ولا أحد يُعارض تنظيم موضوع الدراجات النارية وإخراج هذه الوسيلة من”فم”رجال العصابات والقتلة المتجولين، أو يجادل في إعادة الإعتبار لقانون السير. سائقو الدرّاجات أنفسهم يؤيدون الإجراءات الأمنية إذا ما كانت تهدف إلى قمع المخالفين أو من يتسبّب لهم بإلصاق “صيت سيء” ما ينفكّ يلاحقهم. كل هذا مفهوم. ما ليس مفهوماً أو لم يعد كذلك، هو تحويل فرض النظام والإجراءات وتطبيق القوانين الى “عصا غليظة” تُستخدم في مجال تظهير سطوة الأمن وتفوّقه على الآخرين، أو لوجود رغبة في تلقين نفرٍ من الناس درساً حتى يتربّى الباقون. ما ليس مفهوماً، أن يعمد وزير مسؤول في دولة ما، أي دولة، إلى إطلاق حملة أمنية لقمع المخالفات والمخالفين من دون إجراء دراسة حول الأسباب التي ولّدت هذه الظاهرة، أو قبل إطلاق حملة لتنظيم الآلية الإدارية التي تُسهّل تنظيم المخالفات من نافعة وغيرها بحيث لا تصبح كذلك، أو إطلاق حملة لتصحيح مسار الفوضى في تعامل الدولة أصلاً مع الدراجات بصفتها “منجم ذهب” أو بقرة تدر أرباحاً. قبل تنظيم كل ذلك، لا يلتفت وزير الداخلية بسام المولوي، إلى 100 ألف دراجة نارية مستوردة سمحت الدولة بإدخالها عبر مرفأ بيروت خلال العام الماضي، قبضت ثمنهم جمركاً وضرائب وضريبة على القيمة المضافة. ومن دون إطلاق آلية لتنظيم البيع في السوق بحيث تفرض على أصحاب المعارض تسجيل الآلية قبل تسليمها إلى الزبون. لا تلتفت الدولة مثلاً إلى تكاثر حالات البيع بطريقة ملتبسة جعلت من وسائل النقل قنابل موقوتة تأتي على شبانٍ بشكل يومي، بل ما ذهبت إليه كان قبض ثمن الدرجات ضرائباً ثم طرحها في السوق، وبعد ذلك ترك المخالفات تتعاظم، ثم تأتي إلى حجزها ثانيةً وثالثةً ورابعة، ومن ثم تغريم أصحابها أرقاماً توازي ثمنها لنعود إلى نفس الدوامة! بالنتيجة ومن جراء هذه المعادلة، تقبض الدولة ثمن الدراجة مرة تلو الأخرى ما يجعل من الدراجات سلعةً ربحية لا وسيلة نقل.
إذاً، لم يأخذ الوزير بكل ذلك، ولم يذهب صوب اعتماد إجراءات تصحيحية أكثر فعالية. ما ابتكره، لا يغدو أكثر من تسليط نظرة دونية إلى أصحاب الدراجات باعتبارهم مشاكسين ومخرّبين خارجين عن القانون ويحتاجون إلى تربية! ليس منهم عامل الـ”ديليفيري” والموظف والبائع المتجوّل.
أكثر ما يزعج، ليس الإجراءات التي يقوم بها رجال الأمن، الذين يشكلون عملياً أفضل مثال عن حال الدولة المتهالكة وغير مفهومة التصرفات المتسبّبة في وضع أبنائها في مواجهة بعضهم. وليس تعرّض مواطنين أو رجال شرطة آخرين للضرب على أي من يفترض أنهم حماة أو زملاء. ما يزعج، أن ترى عسكرياً ينتقم من مواطن عادي، لمجرد أن مرؤوسيه قرروا “حجزه” في دوام عمل طويل استجابةً للأوامر، متجاهلين أن هذا العنصر قد يكون مرتبط بوظيفة أو عمل آخر يعوضه عن خسارته جزءاً كبيراً من راتبه. هذه الحالة التي يعبّر عنها ضباط “على الأرض” بحرقة، ليست نتاج أوامر هؤلاء، بل السلطة السياسة ممثلة بوزير الداخلية، التي قررت وبشخطة قلم، إنزال “العالم” على الطريق لمدة 10 أيام من دون مراعاة الظروف، وترك الضباط يتدبرون أمورهم مع عسكر واقع تحت الضغط.
وعملاً بالوقائع، باتت قوى الأمن الداخلي تشعر بالضغط لاسيّما وأن مكتب المدير العام باتت ترده الشكاوى فيما “الوزير” يقرر إقفال خطّه لساعات طويلة و “تطنيش” المراجعات. وتؤكد معطيات حصل عليها “ليبانون ديبايت” توجّه مجموعة من الضباط العاملين في الحملة الأمنية، لإحاطة كلٍ من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وقائد الدرك بالإنابة العميد ربيع مجاعص، بالصعوبات التي تواجههم، وسط اتجاه مجموعة منهم لإعادة انتاج الإجراءات بعد وضع القيادة بحيثيات التدابير التي ستتخذها بحيث يصار إلى خفضها بشكلٍ كبير.
الوصول إلى هذه النتيجة أتى بفعل ما ترتّب من نتائج على مدى الأيام المنصرمة، وتعب العسكر، وشعور رجال الأمن أنهم باتوا في مواجهة الناس، وتحوّل حواجز ضبط المخالفات إلى “مشاريع مشاكل”، حيث سجل في الضاحية الجنوبية وحدها يوم السبت الماضي حصول 7 إشكالات موثقة بين مواطنين ورجال أمن أسوأها كان هجوم مجموعة من “الدراجين” على مخفر الدرك في المريجة.
.. على كف عفريت
عملياً، ألقت ساعات مساء السبت الماضي ولغاية منتصف الليل ظلالاً من الشكّ حول احتمال تطور ردات الفعل على الأرض من جانب سائقي الدراجات الغاضبين، لاسيّما بعد حادثة إطلاق النار في محيط مخفر المريجة وما تبعها من منشورات جرى تداولها عبر مواقع التواصل وألمحت إلى وجود مصابٍ ربما لقيَ حتفه، وأنه يتحدر من “عشيرة”، وأن هذه الأخيرة في وارد الثأر، ما أجّج النفوس وزاد من حجم وتداعي السائقين، لاسيّما في قلب الضاحية الجنوبية وصولاً إلى العاصمة بيروت. وإزاء هذا الحدث الخطير في مضمونه، سارعت القوى الفاعلة ضمن الضاحية الجنوبية، إلى إجراء إحاطة شاملة للحدث من كل جوانبه والعمل على تهدئة النفوس بالتعاون مع الأجهزة الأمنية. وتمّ اللجوء إلى تقنية بث أخبارٍ اتسمت بالتهدئة عبر مجموعات “واتسآب”، وأيضاً من خلال تحرك المسؤولين الميدانيين إلى جانب اتخاذ قيادة الجيش قراراً بالإستنفار. وعُلم في هذا السياق أن تواصلاًحصل بين “حزب الله” وقيادتي الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بهدف التنسيق.
على الأرض طبّق فوج التدخل الرابع في الجيش تؤازره مديرية المخابرات التعليمات. ولوحظ أن الجيش انتشر بكثافة خلال فترات الليل على طريق المطار وأوتوستراد السيد هادي نصرالله وسير دوريات، بالتزامن مع ملاحظة انتشارٍ للقوى الحزبية الفاعلة. هذا كله أدى إلى نزع الفتيل وتبريد النفوس، لاسيّما وأن التقدير الأمني أبدى تخوفاً من دخول “طابور خامس” لتأجيج النفوس.
التهدئة ليلاً استمرت لغاية أمس الأحد وسط ملاحظة وجود ولو أقلّ للجيش. ولوحظَ أن دوريات قوى الأمن والحواجز “الطيارة” التي تقوم بها تراجعت بشكلٍ ملموس، مع الإبقاء على حالة الإنتشار الأمني قائمة. وعلم “ليبانون ديبايت” من مصادر أمنية، أن اليومين الماضيين لاسيّما السبت، شهدا تدنٍ ملحوظ في عمليات توقيف الدراجات النارية سواء في الضاحية الجنوبية أو العاصمة بيروت التي تفاعلت مع الأحداث الجارية في الضاحية بشكلٍ لافت. هذا يأتي من خلفية إعادة إنتاج التدابير الأمنية من جانب المفارز والقطع، بحيث لا تشكّل أسباباً لاندلاع مواجهة. وطوال تلك الساعات، بدت الخشية موجودة من احتمال إنزلاق الأمور نحو مواجهة بين المواطنين وعناصر القوى الأمنية. وبأمر غير بعيد، بدت المظاهر التي سبقت إندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 حاضرة بقوة خلال اليومين الماضيين، بل إن المضامين بدت أقسى، نتيجة تحوّل “الدراجين” إلى حالة احتجاج متنقلة في كل نواحي العاصمةويحكمها الغضب، تستجرّ مزيداً من التعاطف والدراجات. وحدث أن تخللها إصطحاب دراجين إطارات ومفرقعات ومواد سريعة الإشتعال، إستخدمت في قطع طرقات معينة.