“الأنظار إلى قصر العدل غدًا”: تعدّد الرّوايات.. وإمتعاض ماروني من توقيف سلامة
“الأنظار إلى قصر العدل غدًا”: تعدّد الرّوايات.. وإمتعاض ماروني من توقيف سلامة
تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار من اثنين:
1- مذكّرة توقيف وجاهيّة.
2- إخلاء سبيل بسند إقامة وكفالة ماليّة.
أحدث توقيف سلامة هزّة سياسية، المستغرب فيها أنّ أيّ تعليق أو ردّة فعل سياسية داخلية أو غربية لم تصدر عن أيّ جهة ما عدا تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المقتضب لقناة “الحدث” الذي وضع الأمر بيد القضاء.
تفترض ملابسات التوقيف سياسياً أنّ سلامة لا بدّ أنّه جرياً على عادته عند كلّ مفصل قضائي تواصل مع مرجعياته السياسية. تقول رواية أخرى إنّ الرئيس ميقاتي كان يعلم بينما الرئيس بري لا علم له، وإنّ المدّعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار اتّخذ إجراءه مدعوماً من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. فمن أوحى للقضاء بفتح الملفّ وما الثمن لذلك؟
تقول مصادر سياسية ملمّة بالملفّ إنّ تفاصيل توقيف سلامة في عهدة ميقاتي الذي أبقاها طيّ الكتمان بانتظار عودته. فيما مصادر أخرى تقول إنّ جهات أخرى كانت على علم بدليل ادّعاء القاضي علي إبراهيم على سلامة.
أحدث توقيف سلامة هزّة سياسية، المستغرب فيها أنّ أيّ تعليق أو ردّة فعل سياسية داخلية أو غربية لم تصدر عن أيّ جهة ما عدا تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي
بغضّ النظر عمّن وكيف ولماذا، تبقى الحقيقة واحدة، وهي أنّ رياض سلامة في قفص الاتّهام، وأمّا التفاصيل فستكون ابتداء من الإثنين في عهدة قاضي التحقيق. اعتاد القاضي حلاوي أن تكون السرّية بوّابة عبوره إلى إنجاز ملفّاته القضائية، فينأى بنفسه عن ضغوط الإعلام وتأويلاته السياسية. المتعارف عليه في الأوساط القضائية أنّ القاضي حلاوي يتّخذ قراراته وفق ما يقتضيه القانون دون أن يرفّ له جفن، ويحكم بالعدل بعيداً عن أيّة حسابات سياسية أو محسوبيّات ولا يخضع للاعتبارات السياسية. لكن بقدر ما كان توقيف سلامة مفاجئاً بقدر ما كان لافتاً هذا الصمت السياسي الرهيب من قوى لازمت سلامة ووفّرت له مظلّة حماية سياسية على امتداد سنوات ومنعت المسّ به بدليل عبارة ميقاتي الشهيرة “في الحرب لا نغيّر الضبّاط”.
توجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الخارج لقضاء إجازة خاصّة. في عين التينة رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يعلّق بعد على توقيف سلامة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط. وكما نواب الاشتراكي كذلك نواب الثنائي الشيعي سكتوا عن الكلام المباح بحقّ سلامة ملتزمين عدم التعليق سلباً أو إيجاباً على القضية تحت سقف أنّ الكلمة الفصل للقضاء.
توقيف سلامة محرج للثنائي الشيعي بدرجة أعلى ممّا يحرج جنبلاط. ضحيّة مارونية ثانية يصار إلى تقديمها كبش فداء. بعد تعطيل الرئاسة الأولى وتكبيل انتخاب الرئيس الماروني بشروط لا يقدر عليها إلّا العليّ الأعلى، ومع قرب انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون الممدّدة ها هم الموارنة يتلمّسون تمديداً جديداً وإلّا يسجّل خروجهم من السلطة بكلّ مندرجاتها.
يقترب الحساب من حاكم مصرف لبنان السابق أو الحاكم بأمر البلاد والعباد لما يزيد على ثلاثين سنة. وإذا كان الصمت عنواناً للتعاطي بالعلن، فإنّ في الكواليس ما هو أهمّ وأكثر تعبيراً عن امتعاض ماروني عالي الوتيرة. وفي المعلومات أنّ الكنيسة المارونية سرعان ما تحرّكت لتدارك الأمر واستيضاح مصير الرجل المحميّ كنسياً الذي فتحت في وجهه أبواب بكركي يوم أقفلها الجميع. مرّة جديدة يشعر الموارنة بالاستهداف وتكون عين التينة قبلتهم للتعرّف إلى مصير سلامة بعد التوقيف.
تكشف معلومات مطّلعة لـ”أساس” أنّ بكركي استفسرت رئيس المجلس عن مصير قضية الحاكم فكان الجواب أنّ الأمر منوط بالقضاء والقضاء وحده. وعلى مستوى الرئاسة الثالثة ثمّة من يهمس بأنّ ميقاتي طمأن سلامة وشجّعه لأن يمثل أمام القضاء للتحقيق ولم يكن مقدّراً توقيفه. رأي آخر يغمز من قناة أن تكون الحكومة تماهت مع مطلب خارجي بإسدال الستار على ملفّ سلامة الماليّ لطيّ هذه الصفحة استعداداً للمرحلة المقبلة. ففرنسا مثلاً وعلى عكس ألمانيا لم تقفل بعد ملفّ سلامة، وهذه نقطة مدعاة تساؤل وتشكُّك في أن تكون لفرنسا اليد الطولى في بتّ مصير سلامة.
في أوّل التحليلات أنّ ورقة سلامة قد سقطت. الرجل الذي ادّعت عليه الولايات المتحدة وأدرجته مع شركاء في لائحة “أوفاك” (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة)، قد لا يكون توقيفه بعيداً عن إصلاحات وشروط مطلوبة من AMF لطيّ صفحة الأزمة المالية بدءاً من توقيف سلامة إلى ما سيجرّه التحقيق معه من معلومات تستلزم توقيفات. ربّما يكون توقيفه صكّ براءة للطبقة السياسية فيتحمّل وحده تبعات الأزمة ومسبّباتها بدليل رفع الغطاء السياسي عنه، أو قد يكون توقيفه تمّ من غير علم عين التينة والسراي، وهذا مستبعد. لكن في الحالتين سقط سلامة كبش فداء وتوقيفه سيستمرّ لأيّام طويلة، وربّما يجرّ معه توقيفات أخرى.
ينقل مطّلعون على أجواء الثنائي في ما يتعلّق بسلامة أنّ بري كما الحزب يؤكّدان ضرورة أن يأخذ القانون مجراه، فإن كان يفترض أن يُخلى سبيله فليكن ذلك بموجب القانون، وإلّا فليستمرّ توقيفه. موقف يعزّز شعور مصادر سياسية متابعة بتقصّد الثنائي الابتعاد عن ملفّ سلامة، وتقول المصادر عينها إنّ توقيفه سيُستتبع بفتح ملفّات أخرى بناء على رفع دعاوى جديدة بحقّه، وهو ما سيبرّر إطالة مدّة توقيفه.
سيكون يوم الإثنين يوماً مفصلياً في تاريخ لبنان يسطّره قاض لم يخضع لضغط الإعلام والرأي العامّ لتطويعه، وهو يطلق يديه لتطبيق القانون بلا قيد أو شرط، ومعه سيُسدل الستار على آخر معاقل الحقبة الماضية. وإذا كان الغد لناظره قريباً، فإنّ هذا لا يغني عن صورة بانوراميّة ومقارنة المشهد المحلّي بين مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما بعد ثورة السابع عشر من تشرين، حين بات النواب والوزراء يفرّون من الأماكن العامّة خشية الملاحقة. توجّهت الثورة ضدّ الطبقة السياسية التي تحمّلت مسؤولية الأزمة الماليّة، لكن مع الوقت أعاد الرأي العامّ الاصطفاف خلف زعمائه وتلاشت عبارة “كلّن يعني كلّن”، وبقي عالقاً في الأذهان أنّ رياض سلامة المتّهم الوحيد، فهل المطلوب تحميله مسؤولية تقصير الجميع ليختصر”كلّن” في شخصه؟ أم ستجرّ التحقيقات بعضها بعضاً لتكرّ سبحة المصارف وجمعيّتها ومجلس حاكمية المركزي والحلقة الملاصقة للحاكم السابقة؟
غادة حلاوي- أساس ميديا