سيناريوهان للبنان أحلاهما أمرّ من الكينا
نهاية الشيعية السياسية؟
عاش لبنان في كنف ما يُسمّى بالمارونية السياسية عقوداً من الزمن، تمتع في خلالها الموارنة بصلاحيات واسعة منحها الدستور لرئيس الجمهورية انطلاقاً من غالبية سكانية مارونية، فكان يحلّ المجلس النيابي ويسمّي الوزراء ويختار من بينهم رئيساً، كما انه كان يقترح مشاريع القوانين ويعيد النظر فيها، ما جعل هذه الصلاحيات الفضفاضة بنظر الشركاء في الوطن موضع شكوى.
وقد تزامن إقدام العماد ميشال عون عندما كان رئيساً للحكومة الانتقالية في العام 1989 على حلّ المجلس مع اجتماع النواب في مدينة الطائف السعودية، لإقرار دستور جديد للبلاد، ينطلق من هزيمة المسيحيين في الحرب التي استمرت خمسة عشر عاماً.
نقل الطائف صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وبات الرئيس من دون صوت داخله، والمراسيم تصبح نافذة من دون توقيعه في غضون خمسة عشر يوماً من بلوغها مكتبه إن لم تعجبه، وبات تشكيل الحكومة ورقة في جيب الرئيس المكلّف يتعاطى معها بما يقلّم أظافر القوى غير الحليفة له، وبذلك طويت صفحة المارونية السياسية لنبدأ عصر السنيّة السياسية، والصلاحيات الواسعة المعطاة لرئيس الحكومة، فعاش المسيحيون مرحلة من الإحباط ترافقت مع نفي وسجن قادتهم.
حقبة السنية السياسية انتهت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ودفنت في العام 2011 عندما استقال وزراء الثلاثي أمل-حزب الله-التيار الوطني الحر لحظة دخول رئيس الحكومة سعد الحريري إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس باراك اوباما، وبات لبنان يعيش في ظل الشيعية السياسية التي تحكم مفاصل الدولة.
ومع انكفاء الحريري الإبن عن العمل السياسي بات السنّة يتقاسمون مرارة الإحباط مع المسيحيين.
اليوم وبعد ثلاثة عشر عاماً، على العصر الشيعي، تتوالى الضربات الإسرائيلية لحزب الله، العمود الفقري للثنائي وباغتيال قائده وباقي القادة السياسيين والميدانيين، بدأ الشيعة يتجرّعون مرارة الإحباط، ومع إطلاق يد إسرائيل لتقويض قدرات حزب الله وتجريده من سلاحه نجد الداخل أمام سيناريوهين أحلاهما مرّ:
-أول، عبر حرب أهلية يحرّض عليها بنيامين نتنياهو لينزع اللبنانيون المعارضون لسلطة الحزب سلاحه، فتكون عقارب الساعة قد عادت سنوات إلى الوراء من خلال اندلاع شرارة الحرب الأهلية مجدداً، فلا يتكبد الجيش الإسرائيلي عناء المهمة.
-وثانٍ، عبر ما تمّ تسريبه من مخطط أميركي يعمل على انتخاب رئيس للجمهورية لا يدور في فلك حزب الله، يليه تشكيل حكومة تخلو من أي نفوذٍ للحزب، وهكذا تُدار الدولة اللبنانية بقوى المعارضة وربما الرئيس نبيه بري، إن قبل السير بهكذا مخطط وهو أمر مستبعد.
المخطط الأميركي دونه عقبات كثيرة، لعلّ أهمها أن حزب الله لم ينتهِ، وجمهوره الذي يقارب المليون شخص هو لبناني صرف، يسير ضمن مبادىء ومعتقدات دينية لا يمكن أن يحيد عنها، وأن خسارته أمينه العام وخليفته وكبار قادته السياسيين والعسكريين لا يعني خسارته الحرب وشطبه من المعادلة الداخلية.
من هنا يمكن القول إن السيناريوهين خطيران على لبنان، الذي يعيش حرباً مدمرة جعلت قيادته السياسية تستعجل أيّ حلٍّ ممكن ينجينا من سيناريو غزة بتوقيع نتنياهو، وتقدّم التنازلات، ومنها أولوية وقف إطلاق النار بمعزل عن حرب القطاع، الذي وافق عليه حزب الله قبل اغتيال السيد حسن نصرالله، لكن القيادة الإسرائيلية المنتشية بما تحققه على الساحة اللبنانية من اغتيالات رفضته، وتسعى إلى المزيد لعلها تقطف من الحزب، تحت الضغطين الداخلي والدولي، راية الاستسلام بانتظار إعادة ترميم نفسه واستجماع قواه في السنوات المقبلة؛ ومن يعرف حزب الله جيداً يعلم أن رفع الراية البيضاء ليس وارداً في قاموسه، وهو وإن خسر معركة فلم يخسر الحرب التي يسعى إلى تسجيل النقاط في ميدانها البري في لعبة عضّ الأصابع مع الجيش الإسرائيلي.