لا وقف نار ولا رئيس و هذا ما يريده نتنياهو
لا وقف نار ولا رئيس و هذا ما يريده نتنياهو
لا توقعات بتوقف الحرب في لبنان وغزة ولا انتخاب رئيس للبنان، لا قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل ولا بعدها، فالمسألة “شرح يطول”، ومرشحة لأن تشهد مزيدا من المفاجآت والفصول، ابرز تلك التي قد تحصل تحت جنح الرد الاسرائيلي المقرر ضد ايران الاخير والذي اضيف اليه رد على محاولة اغتيال رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، والرد الايراني الذي سيكون في المقابل، وكان اللافت في هذا السياق تحذير وزير الجيوش الفرنسيةسيباستيان لوكورنو من أن “الوضع يشير إلى إمكانية حدوث حرب إقليمية مباشرة أكبر بين إيران وإسرائيل”.
يقول ديبلوماسي مخضرم وخبير في السياسات الاميركية والغربية لـ “لبنان 24” ان الوضع في لبنان وغزة يسير في خطين متوازيين: استمرار الاعمال العسكرية في الميدان في موازاة محاولات للتوصل الى وقف للنار للشروع في تسويات وحلول. ويعتبر ان محاولة اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تأخرت، لأن الاسرائيليين كانوا اغتالوا قيادات كثيرة كان آخرها رئيس حركة “حماس”يحيى السنوار وقبله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ورئيس حركة “حماس” اسماعيل هنية وغيرهما من القيادات العسكرية البارزة في حزب الله وحماس على حد سواء، وهم ما زالوا مستمرين في هذه الاغتيالات كلما عثروا على اثر لاي شخصية مدرجة على اللائحة لديهم. ولذلك بدأ محور المقاومة التركيز الآن على اغتيال مسوؤلين وقيادات اسرائيلية بادئين بنتنياهو الذي نجا على رغم من اعلان تل ابيب انه لم يكن موجودا في منزله اثناء انقضاض الطائرة المسيرة عليه
ويعتقد هذا الديبلوماسي ان الاغتيالات هي قسم من المرحلة الثانية من المواجهات التي أعلنها حزب الله، ولم يكن في امكانه القيام بأكثر من ذلك، ويمكن ان يكون الهدف من محاولة اغتيال نتنياهو دفع اسرائيل الى تغيير موقفها والذهاب الى وقف الحرب. ويعتبر الديبلوماسي ان “تنصل” ايران من محاولة اغتيال نتنياهو قد يكون مرده الى انها لا تريد استفزازه او “تحميسه” اكثر مما هو متحمس للرد على هجومها الصاروخي الاخير، وانها تريد “التبريد”. في الوقت الذي تركز اجتماعات الاميركيين واتصالاتهم مع الاسرائيليين على اقناع تل ابيب بعدم مهاجمة منشأت نووية ايرانية لئلا تتطور الامور نحو حرب شاملة في المنطقة يجدون فيها ما يهدد مصالحهم خصوصا اذا ردت ايران بقصف منشآت البترول العربي الامر الذي من شأنه ان يرفع سعر برميل النفط الى اكثر من ثلاثمئة دولار، فهذا ان حصل فإنه سيسقط المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس امام منافسها الجمهوري دونالد ترامب. في وقت ان الايرانيين يؤيدون وصولها ويهدئون متحدثين عن “الشعب الاميركي الصديق”، ولأجل ذلك نفوا ان تكون لهم اي علاقة بمحاولة اغتيال نتنياهو، علما انه قد تكون لهم علاقة غير مباشرة في هذه العملية من خلال تزويد من نفذوها المعلومات والاحداثيات اللازمة لتوجيه الضربة وفق مخطط مرسوم سلفاً.
إضغط وفاوض
ويستبعد هذا الديبلوماسي الخبير في الشؤون الاميركية حصول اتفاق على وقف النار كما تسعى اليه واشنطن بقوة، لأن الاسرائيلي يرفض ذلك طالبا رأس ايران أو “رأس نحور الشر” كما يسميها، وكذلك يريد التفاوض تحت النار مقلداً الاميركيين في ما فعلوه ايام حرب فييتنام، حيث انهم رفضوا وقف لإطلاق النار مع “الفيتكونغ” وظلوا يتفاوضون معهم تحت النار، وكانت المفارقة الغريبة العجيبة هي ان حرب فيتنام انتهت في الوقت الذي كانت المفاوضات جارية بين الجانبين في باريس. فكأن نتنياهو يلعب اللعبة نفسها يفاوض تحت النار فيما هو يدفع لانهاء الحرب لمصلحته. فيما الاميركيون يصرون عليه ليوقف النار ويفسح مجالا للتفاوض. ولكنه يرفض وهذا هو جوهر الخلاف بينه وبينهم، اذ ان حجة الجانب الاسرائيلي هي ان وقف النار من شأنه تمكين حزب الله و”حماس” من اعادة ترتيب صفوفهما استعدادا لجولة جديدة من الحرب، ولكن اسرائيل مصرة على العمل وفق طريقة الاميركيين “اضغط وفاوض”.
اما بالنسبة الى الموقف من ايران، فإن واشنطن وتل ابيب تختلفان حول الاهداف التي تريد اسرائيل ان تقصفها في ردها المنتظر على الهجوم الايراني الاخير، الاميركيون يرفضون قصف المنشآت النووية والنفطية الايرانية والاسرائيلي في المقابل لا يبدي اي التزام او تجاوب مع الموقف الاميركي، الامر الذي يعرض المرشحة هاريس للسقوط، ويقوي موقف ترامب الذي كان ولا يزال يتغنى انه في عهده السابق لم يورط الولايات المتحدة الاميركية في أي حروب، فيما الرئيس جو بايدن ورطها في حربين، الحرب الاوكرانية، والحرب الدائرة الآن مع قطاع غزة و لبنان، واسس لحرب عالمية لاحقة مع الصين، وانسحب من افغانستان بطريقة مذلة.
ولكن الديبلوماسي الخبير في الشأن الاميركي يقول ان لا احد في الولايات المتحدة على مستوى الجمهوريين والديموقراطيين في آن معا يريد للبلاد الاميركية الدخول في حروب جديدة، خصوصا بعد الخروج من حرب افغانستان من دون تحقيق اي اهداف ارادتها واشنطن من هذه الحرب.
ويعتبر الاميركيون، وعلى الاقل المؤيديون لكامالا هاريس ان حصول وقف النار في لبنان وقطاع غزة سيكون “هدية كبرى” لها وردا على ترامب الذي يدعي في حملاته انتخابية انه “رجل سلام” وان كل من يعرفونه وتعاملوا معه دولا ورؤساء عالميين يحترمونه ويقدرونه لأنه يعارض شن الحروب.
على ان حجة الاميركيين الجمهوريين والديموقراطيين المعارضين الدخول الاميركي في حروب جديدة، هي ان شن اي حرب على ايران ستكون اصعب واقسى بكثير من الحرب التي شنت على افغانستان، ويعتبرون ان الفشل الاميركي في الحروب السابقة ولّد جواً في الداخل وتحديدا على مستوى القيادتين “الجمهورية” و”الديموقراطية” مفاده “اننا نريد ان نرتاح من الحروب ولا نريد مزيدا من القتلى الاميركيين جراء اي حرب”.
ويرى الديبلوماسي ان ما تطمح اليه اسرائيل من حربها على كل من لبنان وغزة لن يتحقق، مهما قتلت ودمرت، واكبر دليل على ذلك اتفاق 17 ايار الذي عقدته مع لبنان عام 1983 واسقطه عدم الاجماع السياسي اللبناني عليه رغم اختلاف المشارب والانتماءات. ويضيف ان اغتيال رئيس حركة “حماس” يحيى السنوار لن يمكن اسرائيل من تحقيق ما تريده لأنه لن ينهي وجود الحركة فهي قبلاً اغتالت مؤسسها الشيخ احمد ياسين وقيادات أخرى حمساوية بعده ولكنها الحركة استمرت ولا تزال، وكذلك اغتالت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ولكن السلطة الفلسطينية بكل فصائل منظمة التحرير استمرت، واغتالت الامين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي واستمرت الحزب والمقاومة التي يقودها ثم اغتالت اخيرا امينه العام السيد حسن نصرالله وها هو الحزب مستمر في مقاومته وقد صعد من وتيرتها من دون ان يتأثر رغم الارباك الذي اصابه بعد ذلك الاغتيال، ولذلك فإن الاصل في حركات المقاومة هي انها فكرة وعقيدة لا يمكن ان تنتهي باغتيال قادتها، والتاريخ يقول ذلك ويشهد عليه، ففي فيتنام قتل الاميركيون كثيرا من القيادات الفيتنامية ومعهم اكثر من مليون شخص، ولكن الفيتناميين استمروا وانتصروا بخروج الاميركيين من بلادهم، والمثال ينطبق ايضا على الجزائر وغيرها من الدول التي عاشت مقاومات وشهدت ثورات انتهت بانتصار من قاموا بها. ولذلك فإن طبيعة المقاومة انها لا تموت بقتل قياداتها وانما تتسلم الراية بعدها قيادات اخرى وتستمر. ولو كان القتال بين جيش نظامي وآخر لكان انتصر جيش على الجيش الآخر الذي عادة ما يرفع الراية البيضاء عندما ينهزم. اما في حالة الحرب بين الجيوش النظامية مع حركات المقاومة فالامر مختلف لأن هذه الاخيرة اذا هزمت فإنها تنهض مجددا ولا ترفع الرايات البيض.
وماذا بعد اغتيال السنوار؟
يجيب الديبلوماسي عينه ان الاميركيين يأملون في ان يشكل هذا الاغتيال حجة لنتنياهو لوقف الحرب المستمرة منذ سنة وبضعة اسابيع والذهاب الى التفاوض لإرساء حل لمستقبل قطاع غزة تأمن له اسرائيل، ولكن يبدو ان هدف نتنياهو ليس هذا، وانما هدفه اقامة اسرائيل الكبرى اذ ان كل المحيطين به داخل الحكومة وخارجها من يمينيين ومتطرفين يدفعونه في هذا الاتجاه، ويعتبرون ان الظروف ملائمة ومناسبة للتوسع واقامة هذه الاسرائيل الكبرى عبر ما يسموه “قص الحشيش” وهو تقليص عدد الفلسطينيين الى ما دون النصف في كل من قطاع غزة والضفة الغربية بما يسهل ضمهما الى اسرائيل لتصبح حدودها من النهر الى البحر ويكون عدد اليهود فيها اكبر بكثير من عدد الفلسطينيين الذي يبلغ في الضفة والقطاع حاليا اكثر من خمسة ملايين نسمة اي ما يوازي عدد اليهود ولذلك تريد اسرائيل خفض هذا العدد الى ما دون المليونين ليسهل عليها ابتلاع الضفة والقطاع في اطار مشروع دولة اسرائيل الكبرى مع ما يمكن ان يلحق بها من اراض اضافية من لبنان وسوريا والاردن والسعودية حسبما نطق اخيرا وزير المال المتطرف بسلئيل سموتريتش، في حين ان ضم الضفة والقطاع اليها مع بقاء عدد الفلسطينيين على ما هو عليه اي خمسة ملايين مقابل الخمسة ملايين يهودي، يحبط المشروع لأن عدد الفلسطينيين سيكبر شيئا فشيئا نسبة لحجم الولادات الفلسطينية المتزايد بعكس نسبة الولادات اليهودية المنخفضة لأن اليهود لا يؤيدون زيادة الانجاب.
على ان حال الاسرائيليين مع الفلسطينين في هذا المجال، يقول الديبلوماسي، هي كحال العالم الغربي الذي يشهد انخفاضا كبيرا في عدد الولادات في مقابل ارتفاع كبير جدا في هذا العدد في باقي ارجاء المعمورة وخصوصا في افريقيا وبالتالي فإن هدف تل ابيب اولا واخيرا هو اقامة “اسرائيل الكبرى” وليس احتلال تلة او تلال من ارض لبنان فقط، وطبعا اذا تسنى لها قص “الحشيش الفلسطيني”.
ويؤكد الديبلوماسي ان الاميركيين يدركون هدف اسرائيل ولكنهم يحاربونه ولذلك يستمرون منذ بداية الحرب في تحذيرها من احتلال قطاع غزة او اقتطاع اي بقعة منه، ويشددون على ابقائه كاملا للفلسطينيين ومحكوماً فلسطينياً وليس بواسطة اي جهة اخرى. في حين إن منظمة “الايباك” واللوبي الاسرائيلي يؤيدان بقوة توسيع اسرائيل، ولكن الشباب اليهودي الذي لا علاقة له بـ”الهولوكوست” يعارض هذا المشروع بشدة.
ولذلك، يقول الديبلوماسي، ان الحرب عندما ستنتهي الحرب وتضع اوزارها “سيكون لكل حادث حديث بين واشنطن وتل ابيب”.