اجتياح بلا رحمة… إنه “جنون” الواتساب
زيزي إسطفان – “نداء الوطن”
حالة طوارئ تسيطر على يومياتنا وتجعلنا في “وضع تأهّب” لا نعرف معه معنى الراحة، أثناء الدوام كما في أوقات الاستراحة، في ساعات الليل كما في “هجعة الفجر”. إشعارات واتساب متتالية تقصف شاشات هواتفنا بلا هوادة. في زمن الحرب أخذت مجدها وحوّلتنا محترفي تصفح الإشعارات. نتنقل بين الرسائل بسرعة وتمرّس: نقرأ، نردّ، نعصّب. في الحرب صرنا جنوداً في “ولاية الواتساب” نتلقى خاضعين معلومات وتعليمات دون رحمة.
مجموعات إخبارية أدخلتنا عنوة إلى مجموعاتها، غروبات عائلية، مهنية، أو حزبية. غروبات أصدقاء، نكات وطق حنك، صلوات و”بونجور” و”بونسوار” ورفع كلفة وورود ومقولات وأمثلة… هذا عدا الأحبّة في أستراليا والأميركيتين المتلهفين لمعرفة أخبار لبنان وما بيننا من رسائل تصل في أوقات مستحيلة. اجتياح بلا رحمة يتطلب مواجهة صارمة وإلا على أعصابنا السلام.
نحاول التركيز لكن “طنطنة” (رنين) الهاتف المستمرة توازي بمفعولها الضاغط طنين الـ MK السيئة الذكر، نتحوّل إلى “وضعية الكتم” لكن لا يمكننا تجنب إلقاء نظرة لمتابعة ما يقال ويحدث، والنتيجة “شعور دائم بالقلق والضغط الاجتماعي والنفسي وحتى شعور بالإرهاق” كما تشرح غريس كرم الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي، “لا سيّما إذا كانت الرسائل تتطلب ردوداً سريعة أو عند الأشخاص الذين يعانون ما يعرف حالياً بالـ “فومو” fear of missing out أو الخوف من تفويت أي خبر أو حدث. ويزداد القلق إذا كان محتوى الرسائل سلبياً وهو ما عشناه خلال الحرب، حينها يتعكر المزاج ويزداد القلق ويصبح التركيز على المهام الملقية بين أيدينا شبه مستحيل. فالإشعارات المتكررة تشتت الانتباه والقدرة على التركيز العميق الذي تتطلبه بعض المهام، كما أن محاولة الردّ على الرسائل ولو لثوانٍ تزيد من الضغط بسبب تأثير تعدّد المهام الذي يؤدي إلى تراجع في الأداء وجودة العمل. هذا عدا الرسائل الليلية (من المغتربين أو من بعض سياسيّي لبنان ومسؤوليه) التي تعكر صفو النوم وتسبّب حالة من الأرق تنعكس بدورها على القدرة على الأداء”.
اجتياح مشبوه
لكن، من يستطيع العيش بلا واتساب والانزواء في كوكب معزول عن المحيط الاجتماعي؟
تقول الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي “إنه مهما ضغط على أعصابنا وحاولنا الهروب منه يبقى ضرورة عملية وعاطفية واجتماعية. فرسائل الأصدقاء والأحبة تجنّبنا الشعور بالوحدة، تمنحنا دعماً عاطفياً وتُعزّز لدينا الشعور بالانتماء إلى جماعة. ولا يمكن أن ننكر أن تلقي النكات والفيديوات المضحكة وما أكثرها في لبنان حيث كل حدث صار مضحكاً- مبكياً، وقراءة محادثات الأصدقاء المسلّية (وليس النق والتذاكي بتحليلات سياسية خنفشارية) كلها أمور تحسّن المزاج وتخفف من حدة التوتر الذي نعيشه خاصة في أوقات الحروب والأزمات، إلّا إذا تكررت وزادت عن حدها”.
نستسلم أم ننتفض؟
الواتساب هذا الرفيق اليومي الذي فرض نفسه علينا يحتاج من وقت إلى آخر لوضعه عند حده ككل “رذيل” يتجاوز حدوده، استخدامه يتطلب ذوقاً وكياسة ومعرفة بأبسط حيثيات التكنولوجيا. تقول خبيرة الإيتيكيت والبروتوكول كارمن حجار “إن المجموعات الإخبارية أو الإعلامية ومجموعات التسلية التي تتم إضافتنا إلى لائحتها دون إعلامنا أو طلب إذننا هي الأكثر إزعاجاً. وفي هذه الحال لنا ملء الحرية ومن دون أي إحراج الخروج من المجموعة دون تقديم أية تبريرات خصوصاً أن رقم هاتفنا يصبح متاحاً لجميع أعضاء المجموعة. أما إذا تمّت الموافقة سابقاً على الدخول في المجموعة فيمكن إعلام “الأدمن” وإعطاؤه تبريراً حول رغبتنا في مغادرة الغروب”.
“إزعاجٌ آخر يتسبب فيه، بحسب حجار، البودكاست أو إرسال الرسالة ذاتها وبشكل عشوائي إلى كل الأرقام المسجلة لدينا. “صباحات الخير” المعايدات، الأدعية، الصلوات والإعلانات التسويقية كلها رسائل مزعجة تنطوي على قلة احترام للشخص الذي يتلقاها. ويحقُ لنا عدم الإجابة عن أي رسالة لا تتوجه إلينا بشكل مباشر ولا تحمل لمسة شخصية دافئة. إلى رسائل البودكاست التقليدية هذه تضاف في لبنان رسائل السياسيين والمحللين وأشباه المسؤولين الذين يوزّعون آراءهم اليومية بالقوة علينا ويبلغوننا بمواعيد إطلالاتهم التلفزيونية المرتقبة. إذا كان من الممكن حظر أرقام تزعجنا فمن غير المستحب فعل ذلك مع أشخاص نعرفهم وفي هذه الحال ينصح أحد خبراء التواصل باتخاذ خطوات بسيطة تحدّ من هذه الإزعاجات مثل إخفاء رقمنا وعدم مشاركته إلّا مع أشخاص موثوقين، تقييد من يمكنه إضافتنا إلى المجموعات واستثناء بعض الأرقام منها وذلك من خلال الذهاب إلى الإعدادات أو settings وبعدها الخصوصية privacy ومن بعدها المجموعات groups واختيار من يمكنه إضافتنا إلى المجموعة. وبطريقة أبسط يمكننا وضع ضوابط بذوق ولباقة وإفهام من يهمنا أمره عدم قدرتنا على تلقي رسائل منه لأسباب خاصة أو ابتكار أية حجة أخرى”.
يحلّ ثالثاً على قائمة الإزعاج، “توقيت الرسائل. هنا لا يختلف الواتساب كثيراً عن الهاتف التقليدي في ما خصّ التوقيت، فلا تكون في الصباح الباكر ولا متأخرة ليلاً ولا في أيام العطل والاستراحة. وعلى المتمادين في الإزعاج أن يدركوا وفق ما تؤكده حجار أن لنا كل الحق بألا نرد على الرسائل التي تأتي خارج توقيت اللياقة حتى لو قرأناها… فتوقيت الرد نقرّره نحن”.
لسنا على السمع
إلى ذلك، يمكن استخدام تطبيقات مثل Auto Responder For WhatsApp لإرسال ردود تلقائية تبلغ المرسلين بكوننا متاحين فقط خلال أوقات معينة. ومن حق الموظفين اللجوء إلى هذه الطريقة في حال كان مديرهم في العمل من النوع الذي لا يحترم الخصوصية. كما يمكن اعتماد تطبيقات تقوم بشكلٍ تلقائي بحظر الرسائل الإعلانية أو المرسلة من أرقام مشبوهة.
تكاد لائحة الأمور المزعجة لا تنتهي ومن بينها تقول كارمن حجار “افتراض المرسل وجوب ردّنا على رسالته إذا رآنا على السمع online لكن في الحقيقة لا شيء يجبرنا على ذلك بل يمكننا الرد في غضون 24 ساعة فقد يكون المتلقي أونلاين لكنه ليس قادراً على الإجابة لسبب من الأسباب. إلى هذه الإزعاجات تضاف الرسائل الصوتية الطويلة التي تتخطى 50 ثانية وتكرارها بشكل يتلف الأعصاب والفيديوات التي تحتاج وقتاً طويلاً لتنزيلها دون هدف يذكر منها”.
أخيراً للحفاظ على أعصابنا من عاصفة الواتساب الهائجة علينا أن نكون من يتحكم بالهاتف لا العكس فنحدد أوقاتاً للتفاعل مع الواتساب ونضبط شعورنا بالحاجة إلى الردّ الفوري، مع تجنب كل المجموعات التي تترك تأثيراً سلبياً على مزاجنا واستبدال التواصل الرقمي بالتواصل الفعلي مع الأشخاص الذين نهتم لأمرهم.
لكن هل نستطيع التخلص حقاً من إغواءات الواتساب؟ الإجابة معلّقة.