اخبار محلية

فضيحة الشهادات وأزمة التعليم الجامعي في لبنان

تنفجر الفضيحة في لبنان وتموت خلال أسبوع على أبعد حد وتنىسى وكان شيئاً لم يكن. رهيب هذا البلد في قدرته على ضبضبة الملفات وعلى النسيان “والمسامحة” وفي تكيفه السريع مع الظواهر السلبية المدمرة غالباً. وكأن تناسل الفضائح أصبح سمة مميزة اذ ما أن تحل فضيحة حتى تأتي أخرى وتمحوها في انتظار الفضيحة التالية. كل يوم، أو كل أسبوع صدمة حتى صارت لدى اللبنانيين ربما مناعة ضد الصدمات. لم يعد للفضائح رائحة، هي أمر عادي في سياق حياة سياسية هي فضيحة بحد ذاتها.

فضيحة تجارة الشهادات الجامعية التي فجرها العراق خلال الاسبوع الماضي في طريقها الى الطي، وربما تكون قد طويت. بعض الارتدادات الخفيفة وإجراءات داخلية في الجامعات المعنية وتصريح من هنا وبيان من هناك وانتهى الامر عند هذا الحد. ومتى كانت في هذا البلد محاسبة؟

الفضيحة التي فجرتها السلطات العراقية بعد اكتشافها الاعداد الهائلة (ذكر انها في حدود الـ 27000) لحملة الشهادات العليا، الماستر والدكتوراه، من العراقيين المتخرجين في جامعات خاصة لبنانية، وبينهم مسؤولون وموظفون كبار وابناء مسؤولين، كان يمكن ان تهز حكومة بأسرها او نظاماً تعليمياً كاملاً لو كانت في المانيا مثلاً أو في كندا او حتى في الاوروغواي…لكن لا داعي للمقارنة بهذه الدول لان نتيجتها محسومة ومعروفة. لم تهز الفضيحة الدولة اللبنانية المهزوزة. لكنها هزت ما هو اعمق من هذه الدولة الفاقدة ثقة اللبنانيين وغير اللبنانيين. هزت روح هذا الكيان اللبناني وعمق النفس اللبنانية الحقيقية التي لطالما كان التعليم ملجأها الأمين وخشبة الخلاص الوحيدة لها.

لقد حافظ لبنان بشكل او بآخر على بعض مصادر غناه التي أفقدته اياها السياسات

الرعناء والعصبيات الطائفية والحزبية وفوضى الانتماءات والولاءات، من هذه المصادر

بعض مراكز الاستشفاء والجامعات التي ظلت تستقطب عرباً من العراق والاردن وسوريا…واليمن.

كان العلم سلاحاً أخيراً للبنانيين متحصنا في مؤسسات تربوية وصروح جامعية عريقة وجامعة رسمية ذات سمعة طيبة أينما حل طلابها. الى أن حل عصر الدولة المنحلة. دولة الطوائف وأحزابها

في غفلة من الزمن، وفي مسار الانحدار السياسي العام في البلد وتطييف كل شيء،

تلقى التعليم في لبنان، لا سيما الجامعي سلسلة من الضربات الموجعة،

اولا عبر التعاطي مع الجامعة الرسمية الوحيدة الجامعة اللبنانية بانعدام تام للمسؤولية،

وثانياً عبر سياسية الترخيص السخي للجامعات الخاصة على كل الٍأراضي اللبنانية وانعدام الرقابة.

عشرات الجامعات والكليات والمعاهد نالت تراخيص منذ منتصف التسعينات لتغطي

مختلف الاختصاصات، تقاسمتها الطوائف واحزابها ومحظيوها. جامعات في المدن

والقرى وفي كل مكان. في أبنية خاصة وفي شقق سكنية مؤثثة على عجل.

وبعضها باشر التدريس قبل الحصول على الترخيص فقبض اموالا ووزع شهادات غير معترف بها

. فتحت الملفات أكثر من مرة وأوقف من أوقف لكن ولا مرة فتحت قضية التعليم العالي

الخاص بشكل جدي. نحو 50 جامعة ومعهداً وكلية يوصف عدد معتبر منها بالدكاكين،

وهي معروفة لأهل السلطة والقرار، تمارس عملها بشكل طبيعي فتبيع وتشتري وتخرج عاطلين من العمل هم أشبه بمخربين إذا وصلوا الى مركز قرار أو وظيفة

تجارة الشهادات-الفضيحة يفترض أن تفتح الملف على مصراعيه من أجل معالجة حقيقية

يتولاها أهل المعرفة والخبرة والضمير الحر ممن لا تربطهم صلة بالطوائف ومرجعياتها.

ولن يكون ذلك سهلاً طالما عقلية المحاصصة الطائفية والمذهبية والحزبية المتحالفة

مع تجار العلم تسيطر على إدارة ملف التعليم وكانه ملف توظيف عمال في ورشة أشغال بلدية.

وهذه مسؤولية وزير التربية أولا باعتباره وصياً على التعليم العالي في لبنان، ومسؤولية

مجلس التعليم العالي. والاهم مسؤولية السلطة السياسية التي عليها التواضع

ولو لمرة واحدة والتخلي عن بعض هيمنتها على كل شيء في البلد فتترك هذا القطاع الحساس جدا لاهل العلم.
يقاس تقدم الأمم بتقدم التعليم فيها، فقط التعليم يرفع من شأن الشعوب،

يكفي النظر الى امم العالم ومكانة التعليم فيها وطرق ادارته.

* نقلا عن “النهار العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com