ملايين الليترات تهرب يومياً إلى سوريا
ينشط فصلٌ جديد من فصول التهريب عبر المعابر غير الشرعية، منذ أكثر من عشرة أيام على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا. وتعبر عشرات الشاحنات المحملة بالمحروقات إلى الداخل السوري، وسط تشدد من الجانب اللبناني ومراقبة دقيقة، وغياب الرادع من الجانب السوري بانتظار إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتمركز القوات المسلحة على الحدود.
يبقى التهريب بين لبنان وسوريا منذ عشرات السنين، الأزمة المستعصية التي لم تلقَ حلّاً لدى اختلاف الحكومات والأنظمة، بالرغم من المحاولات المحلية والدولية لضبط الحدود عبر إقفال المعابر غير الشرعية، التي لحظها القرار 1701، وتثبيت أبراج المراقبة البريطانية على طول الحدود الشرقية، وهذه المهمة ليست ملقاة على عاتق الجيش اللبناني وحده، بل تشترك فيها أجهزة أمنية ووزارات، كحال تهريب المحروقات الذي عاد بقوة ينشط منذ سقوط بشار الأسد، نظراً لارتفاع الأسعار في سوريا، إضافة إلى دور الدولة السورية في مكافحة التهريب والمهربين، واتّخاذ الإدارة الجديدة في سوريا القرار الصارم بعدم غرق أفرادها الذين يتولون ضبط الحدود في مستنقع التهريب، كما كان يفعل أسلافهم من نظام الأسد.
يجري الآن تهريب مئات الآلاف من ليترات المازوت إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، في القاع والنبي شيت وغيرها من المناطق الحدودية. ويعمل الجيش اللبناني وحده بقدر المستطاع على مكافحة المهربين الذين يبتكرون دائماً أساليب جديدة. ويراقب الجيش الحدود التي يصعب ضبطها كاملة، نظراً لامتدادها وتداخلها مع الأراضي السورية، في وقتٍ يتحكم العرض والطلب والأسعار بظاهرة التهريب، ما يدفع التجار إلى البحث عن كسب أرباح إضافية وأحياناً خيالية، الأمر الذي يضع السوق المحلي أمام أزمة فقدان المواد وارتفاع أسعارها، كما هو الحال مع المازوت الذي ارتفع سعر صفيحته أكثر من دولارين في السوق المحلي خلال الأيام الأخيرة.
وتنتشر وحدات الجيش على طول الحدود الشرقية من معربون حتى الهرمل. وتعمل أفواج الحدود البرية على مكافحة التهريب بكل ما أوتيت من إمكانيات. وأوقفت وحدات من فوج الحدود البري الثاني أمس خمس عشرة شاحنة محملة بالمحروقات متوجهة نحو سوريا. وتستكمل هذه الوحدات إقفال المعابر غير الشرعية التي يستحدثها المهربون. وتعمل البلديات أيضاً على خط المساندة، حيث قامت بلدية القاع بإقفال الطرقات التي يمكن أن تسلكها تلك الشاحنات.
في المقابل، تغيب وزارة الاقتصاد عبر مصلحة حماية المستهلك، كذلك تغيب مديرية الجمارك التابعة لوزارة المالية عن ملف تهريب المحروقات.
وتتحرك الشاحنات التي تعبر الطريق الدولية من بيروت وصولاً حتى الهرمل بحرية، فتمرّ على حواجز الجيش اللبناني تحت حجة نقلها إلى محطات المحروقات في لبنان، ولا تقوم مديرية الجمارك ومصلحة حماية المستهلك برصد الشاحنات والتحقق من الوجهة التي تسلكها، وحاجة المحطات لتلك الكميات من خلال المقارنة بين استهلاكها في هذا الوقت وخلال الأيام السابقة والحالات العادية.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن” من أحد التجار المحليين المتضررين من التهريب، كونهم باتوا غير قادرين على تأمين حاجات المستهلك المحلي، أن ملايين الليترات تهرب يومياً إلى سوريا، سواء عبر الشاحنات التي تنتقل إلى الداخل السوري بعد سلوكها المعابر غير الشرعية، أو من المحطات ضمن الأراضي اللبنانية التي تقصدها آليات وشاحنات سورية وجرارات زراعية لنقل المازوت. يشار إلى أن المهربين هم أصحاب محطات المحروقات، ويحققون في الصفيحة الواحدة ربحاً يبلغ 6 دولارات. وتحقق الشاحنة أكثر من ستة آلاف دولار يومياً. وفي حسبةٍ بسيطة، يدخل على جيوب هؤلاء أكثر من مليون دولار يومياً.
وأضاف المصدر أن أصحاب المحطات (المهربين) يشترون المحروقات من زحلة نظراً للكميات الكبيرة المطلوبة. كذلك يتصلون بأصحاب المحطات في محافظة بعلبك الهرمل، ويقدمون عروضاً بشراء المازوت مهما كانت الأسعار. وتقوم شركات العاصمة التي تتولى التوزيع على المناطق اللبنانية بدورها في التهريب، علماً أن هذه المناطق باتت شبه خالية من المازوت. وبحسب المصدر، يبيع أحد التجار وحده 400 ألف ليتر من المازوت يومياً عبر أحد المعابر بين بلدتي النبي شيت وسرغايا.
من جهته قال رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ “نداء الوطن”: “إننا من جهتنا حريصون على إنجاح عهد الرئيس جوزاف عون الذي يعرف منطقتنا جيداً، والذي أصرّ في خطاب القسم على مكافحة التهريب. نأمل معالجة الظاهرة المستجدة، كوننا لا نرضى أن نرى مئات الصهاريج تنقل المحروقات إلى سوريا بشكل مخالف للقانون. وقد يخلق التهريب مشكلات تتسبب في عرقلة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، إضافةً إلى وقوع مشاكل كما حدث في معربون. لذلك، نطلق صرخة للعهد الجديد لوقف التهريب تفادياً للعواقب”.
وحول الحلّ، أكد مطر أن “ضبط التهريب يجب أن يتم من المصدر، لكون المناطق الحدودية تحصل على كميات هائلة من المحروقات والسلع تفوق حاجة سوقها المحلي بأضعاف، وهو أمر يحتم قيام وزارتيّ الاقتصاد والمالية، بدورهما في المتابعة والرصد، وصولاً إلى توقيف المخالفين ومنع التهريب. إن المشكلة اليوم هي في توقيف الشاحنات قبل وصولها إلى الحدود ما يرهق الجيش وهي ليست مسؤوليته وحده”. ورأى أن “مشكلة الحدود تحل عبر الترسيم. ويجب إخلاء كل الأملاك والعقارات التي تملكها الدولة اللبنانية من قاطنيها، وجعلها مناطق عازلة منعاً للتهريب، وصولاً إلى استخدامها مناطق اقتصادية”.
عيسى يحيى- “نداء الوطن”