اقتصاد

رياض سلامة لم يعد بأمان فمتى يحاسب شركاؤه؟

المصدر: درج

تبدو الاستعاضة عن المحاسبة اللبنانية بالعدالة الدولية هي الخيار المتاح اليوم في ظل عجز القضاء اللبناني عن المبادرة. أما التلويح بأن استهداف الحاكم هو استهداف للقطاع المصرفي، وهو ما أشار له البطريرك الماروني بشارة الراعي، فالحقيقة أن من غامر بمستقبل هذا القطاع هو سلامة قبل أي أحد غيره.

ما نشرته شبكة “بلومبيرغ” عن أن الإدارة الأميركية تناقش مع شركائها الأوروبيين تنفيذ عقوبات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وربطته بالتحقيقات الاستقصائية التي كان نشرها “درج” بالتعاون مع مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود “OCCRP”، يكشف مرة أخرى عن أن معادلة بدأت ترتسم في وجه الفساد المعولم. الفساد اللبناني عابر للحدود، يستوجب سلطات رادعة عابرة للحدود أيضاً. وهو، أي الفساد، إذ يستعين بالقضاء اللبناني المُعَطّل والخاضع لسلطة الفساد، لن ينجو من قضاء دولي يرى فيه خطراً على أنظمته المالية والسياسية، وليس فقط خطراً على لبنان. 

القضاء السويسري بدأ يتقصى ثروة الحاكم، والقضاء البريطاني تحرك في قضية باخرة الأمونيوم التي دمرت العاصمة الصيف الماضي. الطبقة السياسية بأسرها صارت محل شبهة العدالة في معظم دول الغرب.

أما قضيتنا في “درج” مع رياض سلامة، فقد بدأت مع الوثائق المسربة عن تحويلات مالية لم يتسنى لنا التحقق من صحتها، والتي وصلتنا عبر الزميلة ديما صادق وباشرنا التحقق منها، ونشرناها بعد أن كشف هو نفسه عنها، وكان أن تحرك هو لمقاضاتنا في حين لم تشعر السلطة القضائية بضرورة التحقق من صحة هذه الوثائق! 

بعدها قررنا الذهاب إلى ما بعد ما كشفته ديما صادق، وباشرنا تحقيقاتنا مع “OCCRP”، والتي اعتمد عليها القضاء السويسري لتجميد أكثر 300 مليون دولار من حسابات الحاكم في المصارف السويسرية.

في حينها وظف سلامة عبر ترسانة إعلامية تستفيد منه لنفي خبر تجميد الأموال الذي زودنا به النائب في البرلمان السويسري فابيان مولينا. ومرة أخرى كان رد الحاكم علينا عبر فيديو سخيف وركيك اتهمنا فيه معدوه بأننا جزء من “اليسار العالمي” الكاره للنجاح، واتهموا “OCCRP” بأنها منظمة “مشبوهة”، مستعينين بما دأب حزب الله وإعلامه على وصف خصومهم به، أي معادلة “عملاء السفارة”.

منذ اليوم الأول للمواجهة مع رياض سلامة، قلنا أن حاكم المصرف المركزي هو النظام الفاسد والفاشل، تماماً مثلما حزب الله هو هذا النظام، ومثلما هم شركاؤه في قوى 8 و14 آذار هم النظام. سلامة تولى مد هذا النظام بأسباب البقاء، عبر ضخ ودائع اللبنانيين ومدخراتهم في موازنات الفساد. وفي المقابل صمت النظام عن ارتكابات الحاكم. 

جرت في ظل هذه المعادلة أكبر عملية سطو في التاريخ، وفي مقابلها لم يتحرك القضاء اللبناني. هذا الأخير كان بحوزته أكثر من مليون ونصف المليون مخالفة للقانون صمت عليها. 

شعر الحاكم بأنه بأمان طالما أن المحاسبة معطلة، وهذا ما ضمنه له أهل النظام. عاث فساداً وسطواً بمدخرات الناس، وقدم الرشى والعطايا لأهل النظام عبر تهريب ودائعهم إلى الخارج. لم يبق موبئة لم يرتكبها بحق اللبنانيين، وكان يدرك أن أحداً لن يجرؤ على المس بموقعه. اشترى وسائل إعلام، ووظف قوانين التسليف في خدمتها عبر قروض لها بصفر فوائد، فيما تولى المودعون تسديد فوائد هذه القروض للمصارف. وفي المرات القليلة التي طُلب الحاكم فيها للشهادة أمام القضاء في قضايا هامشية، أبدى ضيقاً وأرسل من يمثله. فالرجل قوي ومحصن ولا أحد في لبنان يستطيع هز عرشه، تماماً كما من المستحيل هز عرش حزب الله. سعد الحريري ليس ثابتاً في موقعه، وميشال عون مربوط بحماية حزب الله وإلا كان من الممكن اطاحته. أما رياض سلامة فهو الحاكم منذ نحو 30 سنة.

اذاً، تبدو الاستعاضة عن المحاسبة اللبنانية بالعدالة الدولية هي الخيار المتاح اليوم في ظل عجز القضاء اللبناني عن المبادرة. أما التلويح بأن استهداف الحاكم هو استهداف للقطاع المصرفي، وهو ما أشار له البطريرك الماروني بشارة الراعي، فالحقيقة أن من غامر بمستقبل هذا القطاع هو سلامة قبل أي أحد غيره. وما قاله توفيق غاسبار، وهو خبير مالي ومستشار سابق للحاكم السابق ادمون نعيم، أننا حيال أكبر عملية إفلاس مصرفي في التاريخ، يستوجب التوقف عنده. وما يتمتع به الحاكم من صلاحيات واسعة، يستوجب تقديم الشروط الأخلاقية أثناء اختياره على شروط الكفاءة، وهذا ما لم يُعمل به عندما قرر رئيس الحكومة الأسبق الراحل رفيق الحريري الإتيان به إلى الحاكمية. 

رياض سلامة اليوم لم يعد بأمان، والطموح هو أن تمتد يد المحاسبة الدولية لغيره من أركان الفساد اللبناني المعولم، وبشائر ذلك تلوح من جنيف ومن لندن ومن باريس على ما ذكر تقرير بلومبرغ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com