الأحزاب تُطبِق على الإنتفاضة… الحريري يُراهن على الدولار
المصدر: ليبانون ديبايت
الأحزاب الراعية لمصالح طبقة الـ1% من المتناوبين على تبادل السلطة بين أنفسهم، أقلّه منذ 2005 وحتى اليوم، ما زالت تُقحم أنفها في ما ليس لها به. بالأمس، تجدّدَ تسلّقها على ظهر الطبقات الشعبية الجائعة، “رُعاع حزبي ملوّن” إقتحمَ الشوارع منذ فجر الأمس ليعيث فساداً وتخريباً في ما بقي من “أمن”. الموضوع ليس انتفاضة على جوع من وجهة نظرهم، وإن كانت شرائحهم الشعبية متضرّرة ومرهقة من الحالة الراهنة، بل من أجل تصفية حسابات سياسية، ظهرت بشكلٍ فاقع عند “معابر” آخذة بالظهور عند الزوق ـ جل الديب وفي محلّة الناعمة على خط سير الجنوب.
لم يعد مطلوباً الإمتثال إلى الإصلاح، طالما أن “جموع الزعامات التقليدية” هي من باتت تتحكّم بالتحرّكات في الشارع. هؤلاء الذين اختبرنا “إصلاحهم” طوال عقود وشهدنا على كيفية وأدهم لحركة 17 تشرين “الأصلية” بعدما جرى التسلّل إليها واغتيالها من الداخل، يُنظّرون اليوم وهم يحرقون الإطارات ويمارسون فائض القوة في الشارع حول السبل الكفيلة بالعبور إلى الدولة.
تصوّروا! باختصار، ما يطالبون به عبارة عن “دستة” أمور سياسية، تبدأ بحفظ حقهم في التمثّل بالحكومة على النحو الذي يريدونه، حفاظاً على مصالحهم طبعاً من أي قضم مفترض، ولا تنتهي بإعادة هندسة “التدقيق الجنائي” على شكل يحميهم وأزلامهم من الملاحقة.
وإذا ما جنحنا صوب الدولار بصفته السبب الرئيس في ما نحن فيه اليوم، معطوفاً على أسباب تاريخية، برعت هذه الطبقة في إنتاجها كالفساد والمحسوبيات والزبائنية، لوجدنا أن من تحكّم بالسعر طوال عقود، هم الأحزاب التي تحاول السطو على الإنتفاضة الشعبية اليوم، في محاولة مزيفة لتبرئة نفسها من أسبابها. هؤلاء يسألون بالضبط، ويسألون اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل وضوح الرؤية، عن أدائهم السابق مع حرية في توجيه اتهام صريح لهم، بالوقوف خلف جريمة التلاعب بسعر صرف الدولار، الذي ينعكس تلاعباً بقيمة الإستقرار الداخلي، وهو ما دفع بقيادة الجيش يوم أمس إلى التحذير من عواقب الأمور.
وفي الحديث عن التلاعب بالليرة، يتبيّن تقنياً أن غالبية التطبيقات التي يعتمدها السوق من أجل تحديد سعر صرف الدولار، يتم التحكّم بها من خارج البلاد، وأن جزءً كبيراً منها مرتبط ببعض الصرّافين. وتشير معلومات “ليبانون ديبايت” إلى أن القضاء سيعاود تسطير استدعاءات بحق مجموعة أسماء تدور حولها الشكوك، وتتوزّع بين أشخاص معنويين (صيرافيين) ومؤسسات مالية.
وبحسب معطيات “ليبانون ديبايت”، ثمة تطبيقات مشهورة موجودة على متجر غوغل وتحتل مساحات شاسعة من هواتف اللبنانيين الذكية، يتبيّن أنها تُدار من تركيا ومن دول أخرى، فيما الباقي الذي يستند عادةً على تلك التطبيقات، يُدار عبر مواقع إلكترونية ، بعضها يتمركز في الداخل وتكفلت “أوجيرو” بها، فيما الباقي يجري التدقيق به في محاولة لمعرفة الجهات المسؤولة عن إدارته.
هذا في التقني، أما في السياسي، فرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري هاجرَ من مسؤولياته تاركاً محازبيه في الداخل، يصرفون فائض قوتهم على الناس على شكل قطع للطرقات، متذرّعين بالغضب على سعر الصرف، فيما زعيمهم ما اعتكف يوماً عن أداء فريضة توفير الحماية لمرابي المصارف الذين يقبعون في رأس خانة المسؤولين عن التلاعب، والذين يجب مساءلتهم اليوم ليس فقط عن “شفط الدولار” من السوق، ما يتسبّب بزعزعة الليرة المتزعزعة أصلاً، بل في مبرّرات هذا الإطباق على الدولار وتحويل الليرة إلى ركام.
والحريري، الذي لاذ إلى الخارج فارّاً من اقتراح جدّي تقدم به رئيس الجمهورية ميشال عون على مائدة اللواء عباس ابراهيم ، على شكل قبول بعبدا بـ 5+1 وزراء بالإضافة إلى الداخلية، على قاعدة تشكيلة حكومية عيار 18 قيراط، بذريعة أن الإقتراح لم يرده رسمياً، بمعنى أن ميشال عون لم يأخذ سماعة الهاتف ليقف عند خاطر الشيخ سعد ويدعوه إلى “قعدة” يلتقطان خلالها الصُوَر، يُعدّ مستفيداً من ارتفاع سعر صرف الدولار، عملاً بقاعدة تعزيز الشروط.
فرئيس تيار “المستقبل” قبل أي شيء آخر، ما برح يقول أنه مصدر ثقة للعوامل الإقتصادية في الداخل، وبقاءه بعيداً عن الحكم ينمّي الشعور بعدم الثقة، ما يساهم في انهيار الإقتصاد، بل يتذرّع بأن عودته إلى الحكم، تكفل رفع منسوب الثقة، في ضوء ما أعلنه سابقاً من خطط إقتصادية وإصلاحية، ينوي تطبيقها تحت خيمة المبادرة الفرنسية. وتحت هذه الخانة، للحريري مآرب أخرى من وراء ارتفاع سعر صرف الدولار، إن لم يكن على علاقة ولو “غير مباشرة”، ربطاً بقاعدة أنه يعلم في ضوء ما يجمعه من علاقات “حسن جوار” مع أرباب المصارف، وهذا يسترعي الإنتباه في ضوء ما أبلغته مصادر سياسية إلى “ليبانون ديبايت”، حول وجود أيادٍ داخلية تتلاعب بسعر الصرف، عملاً بانتفاء وجود أي معايير ترعى التحكم بالسعر في الداخل.
وانطلاقاً من هذه القاعدة، ينمو شعور طبيعي بأن الحريري سيؤجل تأليفه للحكومة أقلّه حتى نهاية الشهر الجاري، حتى تتأمّن الإستفادة القصوى من حالة التفلّت في سعر الصرف الجارية حالياً، وهذا يأتي من مقام الإستفادة في تكريس حضوره وتعزيز شروطه ربطاً بسعر الصرف.
وهنا، المنطق يقول، أن الحريري لا يقدم على تأليف حكومة على سعر 11,000 ليرة إلا إذا كانت لديه حلول لخفض سعر الصرف، وهنا عودة إلى منطق الإستفادة الحريرية ذاته، وهو ما يؤهّل الحريري لتثبيت نظرية الثقة أعلاه، ثم القول أنه في ظل حكمه تستقرّ الليرة، وأن عودته إلى الحكم، أدّت إلى خفض سعر الصرف، تماماً كما حصل حين تمت تسميته للتأليف قبل 4 أشهر حين هبط الدولار من مستوى 8500 ليرة إلى 6000 ضربة واحدة!
هذا الواقع يجعل من الحريري متورّطاً في لعبة الشارع، ليس هذا فقط، بل في إسقاط الحلول اللازمة بدليل تأجيل الإطلاع على نتائج الوسطاء ريثما ينهي جولاته الخارجية، وفي هذا تمديد واضح للأزمة. زِد على ذلك، أن منسوب الإعتقاد بمحاولة الحريري مقايضة الحل الحكومي بشؤون في السياسية يرتفع، في ظل رواج معلومات حول أن الحريري رفض “صيغة اللواء إبراهيم” الأخيرة، لكونها لم تأخذ في عين الإعتبار الإستحواذ على أصوات نواب “التيار الوطني الحر” حالما تُطرح الحكومة على الثقة. فالحريري، وعلى ذمة أوساط، لن يقبل قيادة حكومة، ما لم تحظَ بغطاء مسيحي وفير مصدره القوى السياسية الرئيسية، ولا يؤمنه سوى “التيار الوطني” ، في ضوء تمنّع نواب “القوات اللبنانية”عن الموافقة على أي حكومة، وخروج نواب الكتائب من ساحة النجمة.