اقتصاد

ذهب لبنان في خطر’… ماذاعن خطّة حكومة ميقاتي؟!

“تحت عنوان “استعدوا: حكومة ميقاتي تريد بيع الذهب!”، كتب علي نورالدين في موقع المدن:
عاد الحديث عن بيع الذهب الموجود بحوزة مصرف لبنان إلى الواجهة، في إطار تحضيرات الوفد الحكومي اللبناني لجولة المحادثات المقبلة مع صندوق. والهدف مرّة جديدة ليس سوى استنزاف ما تبقّى من مقدّرات المجتمع والدولة، في سياق ما يُعرف بخطّة “توزيع الخسائر”، التي تريد الحكومة اللبنانيّة أخذ مصادقة صندوق النقد عليها للدخول في برنامج قرض معه.

في الأصل، كان بيع الذهب أحد أبرز بنود الخطّة التي عرضتها حكومة ميقاتي على وفد صندوق النقد في جولة المحادثات الأخيرة خلال شهر شباط الماضي، وهذه الخطّة هي تحديدًا ما يجري تعديله اليوم في ضوء ملاحظات الصندوق، قبل عرض الخطّة من جديد في جولة المباحثات المقبلة في الأسبوع المقبل. مع الإشارة إلى أنّ إدراج بند بيع الذهب ضمن الخطة الحكوميّة أثناء جولة المباحثات الماضية لم ينل الاهتمام الإعلامي الكافي، بالنظر إلى فداحة سائر بنود الخطّة وخطورتها.

أمّا اليوم، وفي إطار عمل الوفد الحكومي على التحضير لجولة المباحثات المقبلة، بات المطلوب إعادة بحث الأفكار المتعلّقة بكيفيّة استخدام عوائد عمليّة بيع الذهب في الخطّة، بعد أن سلّم الوفد اللبناني بهذا المبدأ كأمر ثابت. وبعبارة أوضح، بات السؤال الأساسي حاليًّا: هل يتم تخصيص عوائد بيع الذهب لردم فجوة الخسائر المصرفيّة، أو دعم استقرار الليرة اللبنانيّة على المدى الطويل؟ هل يتم استخدام هذه الأموال لتمويل مشاريع للبنية التحتيّة، أو سداد جزء من دين الدولة السيادي؟ هذه الأسئلة تحديدًا هي ما يتم العمل حاليًّا على معالجته في التعديلات التي تجري على خطّة الحكومة، على أن يتم عرض هذه التعديلات على الصندوق الأسبوع المقبل كجزء من الخطة المعدّلة.

أفكار الخطّة الحكوميّة
خطّة حكومة ميقاتي، التي تم عرضها أمام صندوق النقد في أواخر الشهر الماضي، تضمّنت بنداً ينص على “استخدام الذهب لحماية قيمة العملة المحليّة”. فكون الذهب يمثّل “البند الأبرز من بنود الموجودات في ميزانيّة المصرف المركزي”، سيكون بإمكانه أن يمثّل “أداة استثنائيّة لضمان استقرار الليرة، عبر السماح ببيعه مقابل الليرات اللبنانيّة”. في هذه الحالة، وحسب الخطّة نفسها، ستكون النتيجة “تسييل الذهب” كعامل داعم لسعر صرف الليرة. باختصار، ولتبسيط المسألة، ما خططت له الحكومة ليس سوى اعتبار الذهب احتياطات عاديّة يمكن بيعها بسعر معيّن بالليرة، للحفاظ على قيمة معيّنة لليرة في السوق، تمامًا كما يبدد مصرف لبنان حاليًّا احتياطات العملة الصعبة المتوفّرة لديه، عبر بيعها مقابل الليرات اللبنانيّة بسعر المنصّة. وفي هذه الحالة، وبعد تبديد الاحتياطات، سيكون بالإمكان تبديد الذهب.

من الناحية التقنيّة، لن يحتاج مصرف لبنان إلى كثير من التعقيدات ليطبّق هذا البند في الخطّة. بكل بساطة، سيكفي بيع الذهب في السوق العالميّة، لتكوين قيمة معيّنة من الاحتياطات النقديّة بالدولار الأميركي، وهذه الاحتياطات يمكن ضخها في السوق وبيعها بالسعر الذي يريده مصرف لبنان، بهدف ضمان “استقرار العملة المحليّة”. وتمامًا كما قام المصرف المركزي بتثبيت سعر الصرف عند حدود 20,200 ليرة للدولار على مدى أسابيع قليلة، بمجرّد بيع الدولار بلا سقف بهذا السعر، ستكون نتيجة بيع الذهب واستخدام عائداته بهذا الشكل الحفاظ على استقرار الليرة لفترة محددة. لكن وبمجرّد استنزاف قيمة الذهب المُباع، سيكون اللبنانيون على موعد مع عودة الأزمة النقديّة، تمامًا كما عاد سعر صرف السوق الموازية للارتفاع بالأمس الأربعاء بعد أن استنزف مصرف لبنان قدرته على التدخّل من احتياطاته.

بمعنى آخر، وتمامًا كضخ الدولار الذي جرى من الاحتياطات خلال الأسابيع الماضية، سيكون تبديد الذهب ثمنًا لعمليّة عبثيّة، إذا لم تتم معالجة الأزمة النقدية بشكل جذري، وهو ما لا تحققه الخطّة المطروحة.

التعديلات على الخطّة
في كل الحالات، باتت مسألة بيع الذهب من البنود الثابتة في الخطّة.

أمّا ما يجري النقاش بشأنه اليوم، فهو تعديل وجهة استخدام هذا الذهب،

عبر طرح إمكانيّة استخدام قيمته لردم جزء من كتلة الخسائر المتراكمة

في النظام المصرفي. بهذا الشكل، سيكون بإمكان مصرف لبنان استخدام

جزء من عائدات بيع الذهب لسداد التزاماته للمصارف بالعملة الصعبة،

مقابل سداد المصارف لجزء من التزاماتها للمودعين.

كما ثمّة طروحات أخرى تربط عوائد بيع الذهب بتمويل

نفقات الدولة الاستثماريّة على المدى المتوسّط،

وخصوصًا تلك المتعلّقة بمشاريع البنية التحتيّة في قطاعي الكهرباء والاتصالات

. أما الطرح الأخير، فيرتبط باستعمال جزء من قيمة الذهب لإطفاء بعض ديون الدولة

المترتبة لحملة سندات اليوروبوند، والتي يملك جزءاً منها القطاع المصرفي اللبناني نفسه.

كل هذه الطروحات يجري البحث فيها داخل وفد التفاوض الحكومي اللبناني،

وبالتواصل مع العديد من الدوائر الدبلوماسيّة الغربيّة التي تبدي الكثير

من الاهتمام بملف الذهب اللبناني وخطة التعافي المالي.

مع الإشارة إلى أنّ فرض عمليّة جرد للذهب، بالتنسيق مع المصرف المركزي الفرنسي،

مثّلت أولى الشروط غير المعلنة للمبادرة الفرنسيّة التي تم طرحها

بعد انفجار مرفأ بيروت، حين تباحث يومها وفد اقتصادي فرنسي بملفّات

ذات طابع نقدي ومالي مع مصرف لبنان، بالتوازي المباحثات السياسيّة

التي أجراها الرئيس الفرنسي. ورغم انتهاء مفاعيل المبادرة الفرنسيّة،

انطلقت في وقت لاحق عمليّة الجرد المفصّلة لمخزون الذهب،

بإشراف رسمي من مفوضيّة الحكومة في المصرف، فيما لم يتم إنهاء هذه الجردة حتّى اللحظة.

في خلاصة الأمر، من المفترض انتظار جولة المباحثات الرسميّة مع الصندوق

خلال الأسبوع المقبل، لاكتشاف التعديلات التي سيقرّها الوفد اللبناني

المفاوض في إطار خطّته. لكنّ الأكيد حتّى اللحظة، هو أن طريقة التعامل

مع ملف ضخم بحساسيّة ملف الذهب اللبناني، لا تتسم بأدنى حد من الشفافيّة

المطلوبة في هذا النوع من الخطط الماليّة أمام الرأي العام، خصوصًا أن

هذا الذهب يمثّل آخر مقدّرات المجتمع المتبقية في مصرف لبنان، إلى

جانب ما تبقى من دولارات المودعين في احتياطات المصارف الإلزاميّة، التي يتم استنزافها حاليًّا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com