الحريري “يصارع” الإعتذار أو الإغتيال.. أين المفر؟!
المصدر: جنوبية
كتب “هشام حمدان ” في جنوبية :
قرأت رسالة قصيرة وجهها الإعلامي العريق الأستاذ عثمان العميّر، إلى “الصديق السابق” سعد الحريري، ينصحه فيها بمغادرة لبنان، لأنه مشروع عمليّة إغتيال أخرى.
عندما يصف الأستاذ العميّر، سعد الحريري بالصديق “السابق”، هذا يعني أنه الصديق “السابق” للسعوديّة. وهذا لم يفاجئني. فالرئيس الحريري أعلن كليّا ومنذ زمن، ولاءه الكامل لفرنسا. هو يأخذ توجيهاته ويلتزم “نصائح” رئيس فرنسا مانويل ماكرون. ويبدو أن رئيس فرنسا، هذا البلد الصديق الذي احتضن الإمام الخميني في باريس، ونقلته حكومته مظفرا عام 1979 إلى طهران، فمنحته فرصة الإنطلاق بحلمه تحويل إيران إلى “جمهورية إسلامية” و”النضال” من أجل إقامة “جمهورية إسلامية على مساحة الكرة الأرضية، يرعاها إمام الزمان وظله على هذه الأرض الولي الفقيه”، ما زال يرى أنه يمكن أن يتابع دورها منذ سنوات، في إقامة حكومات تسوية ومحاصصة في لبنان. كان ذلك الدور في حينه، ضروريا، سواء للبنان أو لللاعبين الآخرين في هذه المنطقة. ففرنسا لعبت هذا الدور الحيوي، يوم كان الملعب السوري مشحونا بالفرق الرياضيّة التي تتسابق كل منها،
على تسجيل الأهداف في مرامي اللاعبين الآخرين في ذلك البلد. كان المطلوب منها بصفتها شريكة في إقامة النظام الشرق الأوسطي الجديد، أن تبقي الملعب اللبناني جامدا، لأن الفرق اللاعبة في سوريا، لا ترغب بتشتيت لاعبيها في ملعب آخر.
فخامة الرئيس ماكرون يدرك أن تلك التسويات هي التي أوصلت لبنان إلى حالته الراهنة.
هو يشعر بغضب لأن مبادرته لم تؤت نتيجة. فقد كان يتمنى أن تؤدي مبادرته إلى تلطيف هذه الحالة.
لكن هذا الغضب يجب ان لا يسيطر على رؤيته الإستراتيجية للواقع. فمن الواضح أنّ بعض الأطراف (فريق المقاومة) التي استفادت من مبادراته السابقة،
لا ترغب الآن أن تمنحه جائزة الدور الذي قام به. فهذه الأطراف وعلى رأسها حزب إيران في لبنان،
غير معنيّة بمصير هذا الوطن، بل بمصير إيران التي تربط مستقبل دورها في الشرق الأوسط الجديد،
بالتسوية التي تسعى لها مع الولايات المتّحدة الأميركيّة.
حزب إيران يتمسك بالرئيس الحريري لأنه واسطته الباقيّة للمحافظة على بعض الود مع القيادة الفرنسيّة.
وهو يتمنى أن تتوفق إيران بتسوية قريبة مع الولايات المتّحدة، لكي يصبح من الأسهل للقيادة الفرنسية،
التجاوب مع مطالبه الحكوميّة. بالنسبة لحزب إيران فإن ما يرغب به الآن هو المزيد من الوقت للإفساح أمام التسوية المنشودة بين طهران وواشنطن.
لا مجال بعد الآن لحكومة تسويات. نحن الآن في مرحلة النهاية في عمليّة بناء الشرق الأوسط الجديد.
ولا أحد يريد أن يخسر التضحيات التي قدمها طوال السنوات التي أخذتها ثورات “الربيع العربي” أو سنوات “الفوضى الخلاقّة”
التي أنتجت الواقع القائم الآن، في الدول المحيطة بإسرائيل. وبالتالي فمن المفهوم أن تسعى إيران أن لا تخسر ما قدمته هي وحزبها من مثل تلك التضحيات.
لكنني لا أفهم موقف بعض الأحزاب القوميّة والعلمانيّة التي تستمر بعناد إلى جانب حزب إيران،
بحجة أن إيران تمنحها السلاح لمقاتلة “إسرائيل”. إلى أين وصل تدني الفكر السياسي الإستراتيجي في لبنان؟
ألم يقرأوا بعد نتائج تلك التضحيات القائمة في المنطقة؟ تصوروا كيف يمكن لهم أن يصدقوا
أن إيران وحزبها أصحاب السلاح والقوّة، يريدان فعلا القضاء على إسرائيل؟.
هذا الفكر القاصر لا يقرأ طبعا، تاريخ العلاقات الإقليمية والدوليّة الفارسية،
ولا أيضا في إنخراط إيران الفاعل والإيجابي في عمليّة بناء النظام السياسي والإقتصادي الدولي الجديدين.
لا نراهن على عودة الرشد لهؤلاء، إلا أننا نعتقد أن على الرئيس ماكرون،
أن يتوقف عن إعاقة غبطة البطريرك، والقيادات السياديّة الروحيّة والزمنيّة،
عن التحرك نحو الأمم المتحدة. بل أننا نرجو أن يتم ذلك برعايته. ففرنسا التي ساعدت المجتمع الدولي على تهدئة الساحة اللبنانية
لأكثر من عشر سنوات، مطالبة اليوم أن تقود حركة مطالبة المجتمع الدولي بوقف استخدام لبنان ساحة خدمات لوجيستية،
وتحريره من لعبة المنطقة. نحن نرجو صادقين، أن لا يسمح الرئيس ماكرون بقتل دور فرنسا التاريخي في لبنان،
ولا في تمزيق ما تبقى من ورق التين على لاعبين عراة أمام الشعب من أصدقائها في لبنان، ومنهم المسيحي والمسلم والدرزي،
وعلى رأسهم الرئيس الحريري. نحن نرجو فعلا وبصدق، أن لا يصيب الرئيس ماكرون دور فرنسا المستقبلي
في لبنان وهذه المنطقة. لبنان هو مدخلها الحقيقي إلى الشرق الأوسط فإذا خسرته ماذا سيتبقى لها؟
أنا أعتقد أنّ أفضل نصيحة قدمت للرئيس المكلف سعد الحريري، هي الإعتذار.
إستقالته ستعرّي السلطة كليّا. لن يمكن لرئيس الجمهورية حليف حزب إيران، ومهما حاول أن يقيم حكومات على شاكلة حكومة الرئيس دياب،
ان يصل بالبلاد إلى نتيجة. المطلوب الآن وبسرعة، مؤتمر آخر على غرار مؤتمر البريستول علم 2004،
واستقالة كل الكتل النيابية التي تعتبر أنّها سياديّة. هذا هو الموقف المطلوب
من خليفة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي قتل من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وحريته.
إعتذارك هذا واستقالة كتلتك النيابيّة، لن يعيدك الى الضوء فحسب،
بل سيساعد حليفك الفرنسي، ويعيد لك بعض المكانة عند الحلفاء العرب الدائمين والمخلصين للبنان.
لا تخشى الإغتيال. يمكنك السفر إلى المملكة لحماية نفسك ومستقبلك.
ونحن نكرر مطلبنا المعروف بأن يقوم غبطة البطريرك الراعي، وسماحة السيد علي الأمين،
والقادة الروحيون الأحرار، بالسفر إلى نيويورك ولو عن طريق البحر، لمطالبة الأمم المتّحدة بالقيام دورها.
ليس غبطة البطريرك وحده “الخائن” يا سماحة السيد حسن نصرالله ، أؤكد لك أنّه وفقا لمفهومك ل “الخيانة”
فإنّ الأغلبية الساحقة من شعب لبنان، في الداخل والخارج، هي أيضا “خائنة”. والآن ثمة نوعين من الخونة:
النوع الأول ينطبق عليهم وصفك. والنوع الثاني ينطبق عليه الوصف القانوني والدستوري.
فالخيانة والعمالة هما أن تنتهك الدستور وتضحي بسيادة لبنان واستقلاله،
فتأخذ توجيهاتك وتعليماتك وتمويلك من بلد خارجي، وترمي وطنك ضحيّة في خدمة هذا البلد ومصالحه.
ما أجمل ان نموت “خونة” من أجل بقاء لبنان. وما أبشع أن نموت “مقاومين” في خدمة إيران.