المصارف حوّلت اموال المودعين للخارج والكهرباء شريكة بنسبة 40% بالانهيار الحاصل
المصدر: لبنان 24
على خط الازمة اللبنانية، تكثر التحليلات وينشط مفعول تقاذف التهم والمسؤوليات بين الرؤساء والوزراء والنواب والمدراء العامين وغير العامين وصولا الى بائعي القهوة والشاي والرمان بنوعيه الملغوم وغير الملغوم.
“فتوش” من النوع السياسي والاقتصادي يظهر في يومياتنا، على الرغم من ان “الفتوش” الفعليّ غائب تماما عن موائدنا،
بالتوازن مع غياب الحلول والمقترحات.
امام هذا الواقع، وامام انسداد الافق اللبناني، كيف يقرأ وزير المالية السابق جورج قرم الازمة اللبنانية،
وهل يرى ان خواتيمها باتت قريبة؟
يبدأ قرم حديثه مستذكرا ايام حكومة الرئيس سليم الحص، والاصلاحات المالية والاقتصادية التي قادها، لكنه سرعان ما يكرر،
“كيف يمكن لاصلاحات اقتصادية اوسياسية ان تبصر النور،
في بلد حكم عليه ان يكون غالبية المسؤولين فيه لا مسؤولين ولا مبالين ولا مكترثين،
لا بل فاسدين، ويضيف، “لا يمكننا الا ان نتوقف عند تاريخ 17 تشرين المفصلي في حياة اللبنانيين،
الذي كاد يقلب اوراقا كثيرة في المعادلة اللبنانية، لكن ومن حسن حظ اهل السلطة، وسوء حظ الناس ان “كورونا” حلت ،
ومعها جمدت العملية التغييرية الممكنة”.
الانهيار اللبناني فريد من نوعه
اما عن الواقع الاقتصادي والمالي الحالي، فيؤكد قرم، اننا ” ندفع ثمن 30 سنة من السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية الخاطئة،
اذ ان ما وصلنا اليه اليوم، هو نتيجة اكيدة لكل السياسات التي اتبعت من “الطائف” وصولا الى ايامنا هذه،
وهنا لابد لي من ان اردد ما يقوله دائما الرئيس حسين الحسيني، حول التحالف القوي بين رؤساء الميليشيات واصحاب المصارف،
الذي لعب الدور الاهم، في افقار اللبناني، وسلبه امواله وجنى عمره،
كما لا بد لي من الاشارة، الى الدور الاساسي، الذي لعبه المصرف المركزي، عبر سياساته المختلفة،
التي اودت الى انهيار العملة والاقتصاد اللبناني،
فنحن اليوم في قلب قلب الانهيار، وللأسف يبدو الانهيار اللبناني، نموذجا فريدا من نوعه، لا يمكن تشبيهه،
لا بالانهيارات الحديثة التي شهدتها بعض الدول، كقبرص واليونان وفنزويلا وغيرهم، ولا بالانهيارات القديمة التي عرفها العالم،
ما من دولة تبخرت اموال مودعيها، كما تبخرت اموال اللبنانيين، فمن يمكنه ان يفسر لنا، كيف ان المصارف اللبنانية،
التي حتى العام 2019، كانت ارباحها طائلة وميزانياتها كبيرة، افتقرت سريعا وباتت القطارة سيدة الموقف في تعاطيها مع زبائنها؟
في هذا الاطار، ومع تأكدي انه ليس بحوزتي معلومات، اشير وفقا لخبرتي وتحليلاتي، ان المصارف اللبنانية،
هي المسؤولة مباشرة عن ضياع اموال المودعين، وغالب الظن انها حولتها الى الخارج ووضعتها باسمها.
الانهيار بدأ منذ العام 2005
وعما اذا كان، من الممكن تفادي الوصول الى الانهيار، يوضح قرم ان ” الانهيار الذي وصلنا اليه،
اتضحت صورته منذ العام 2005، ومحاولة منعه او تفاديه،
مستحيلة وغير ممكنة، اما ما كان ممكنا ومطلوبا، فهو مبادرة اهل الحكم، لتغيير شكل الانهيار وتخفيف حدته،
لكنهم لم يقدموا على اي خطوة، وهذا ما يؤكد استفادتهم الاكيدة من الوضع القائم ومن اداء المصارف المختلفة،
التي نتساءل عن دور لجنة الرقابة عليها؟”.
ويضيف قرم، “الخطوة الوحيدة، التي يمكن التوقف عندها في ما يخص شكل الانهيار، هي قرار حكومة الرئيس حسان دياب،
المتمثل في وقف دفع سندات(اليوروبوندز)، التي اخرت مفعول الانهيار، لكنها لم تأت كاملة،
فالحكومة لم تتابع عملية التفاوض مع الدائنين، واعادة جدولة الدين بشكل فاعل وجديّ”.
تعدد سعر الدولار يؤكد استمرار الورطة
وعن التفاوض مع صندوق النقد الدولي، يرى الوزير السابق للمالية ان ” لا امل في التعاطي مع هذا الصندوق،
ومختلف تجارب دول العالم الثالث تؤكد هذا الكلام،فما من دولة من دول العالم الثالث، عاشت الانهيار،
واستطاعت الخروج منه بفضل سياسات صندوق النقد الدولي، وهنا استعيد تجربة دولة كوريا الجنوبية،
التي زادها الصندوق فقرا، ولم تستعد عافيتها الا بعدما اعتمدت على مقدراتها الداخلية، والمفارقة متمثلة في ان صندوق النقد،
في ما يخص لبنان، لم بيد اهتماما كبيرا بمشاكل قطاع الكهرباء، المسؤول بنسبة تتراوح بين 30 و40 % عن الانهيار الحالي،
والذي شكل مصدر ارباح فاحشة للممسكين به على مدار 12 سنة او اكثر،
كما ان صندوق النقد، لم يبد اهتماما كبيراً بالفوائد المرتفعة على الدين العام
بل ذهب مباشرة الى الحديث عن خصخصة الاملاك العامة، وهذا ما نرفضه رفضا قاطعا”.
وعن مسار الانهيار، يؤكد قرم ” انه لا يمكن الحديث عن بداية انتهاء الانهيار،
قبل الوصول الى سعر صرف موحد عند كل اللبنانيين،”فالورطة” الحالية لا يمكن الخروج منها في ظل هذا التعدد.
اما الضياع السائد بين السعر الرسمي وسعر المنصة وسعر السوق الموازية، فيتحمله المصرف المركزي مباشرة،
الذي اختار السير عكس التيارات الدولية، واقدم على تثبيت سعر الصرف لسنوات طويلة،
في حين ان غالبية دول العالم تعتمد سعر الصرف العائم”.
ماكرون ظريف… ولكن
وعن الواقع السياسي، والدور العربي والدولي في الازمة الحالية، يؤكد قرم ان “
الانفتاح الحاصل مع العدو الاسرائيلي وعملية التطبيع المستمرة، يؤكدان على تغيير واضح بمعالم المنطقة التي نعيش فيها،
وهنا، وعلى الرغم من الصورة الحديثة والظريفة التي يقدمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون،
وعلى الرغم من الصورة التي ترسم لفرنسا كمساند اول واساسي للبنان،
لا يمكننا ان نغض النظرعن ان فرنسا هي من اكثر الدول التي تراعي المصالح الاسرائيلية”.
ويضيف قرم،” لا يمكن للبنانيين ان يتحدثوا عن حصار عربي عليهم،
وهم يرسلون بطريقة مباشرة او غير مباشرة المواد السامة اليهم”.
هذا هو الحلّ
وعن خارطة الطريق التي يجب اتباعها للخروج مما نحن فيه، يقول قرم انه ” لا بد اولا من تغيير المنهجية القائمة،
فالحديث عن لبنان الذي يقدم الخدمات السياحية والطبية، لم يعد ممكنا،
وبالتالي علينا الخروج من النظرة الريعية والاتجاه نحو بناء الاقتصاد الانتاجي،
والاستثمار يمكن ان يكون سريعا، لاسيما بقطاع الزراعة وبجيل الشباب اللبناني،
الذي يتميز بامكانيات متقدمة جدا في عالم الاتصالات، الذي يعتبر قطاعا اقتصاديا هاما في هذه الايام.
لكن وقبل الوصول الى هذه المرحلة، لا بد من حكومة اختصاصيين فعليين لا وهميين،
مستقلين لا تابعين، قادرين على انتشال لبنان واللبنانيين من ازمتهم الحالية”.