في لبنان: مساعدة مالية وتغطية صحية للعاطلين
المصدر: المدن
باتت المسافة ضيقة جداً وتكاد تنعدم بين العامل والعاطل عن العمل. فقد جعل الانهيار الاقتصادي وتدهور قدرة الليرة الشرائية، رواتب العاملين مجرّد فتات لا تسد حاجة ولا تغني عن جوع. فالحد الأدنى للأجور يقارب حالياً 54 دولاراً فقط، متراجعاً من 450 دولار قبل الأزمة.
وتتفاقم أزمة البطالة دراماتيكياً وتزيد أعداد العاطلين عن العمل بشكل مستمر. وعلى الرغم من غياب أرقام وإحصائيات دقيقة لدى مؤسسات الدولة عن عدد العاطلين، غير أن التقديرات تشير إلى تجاوز نسب العاطلين عن العمل 35 في المئة. وانطلاقاً من غياب أي حماية اجتماعية للعامل الذي يفقد عمله، تبلور مشروع نظام تأمين ضد البطالة. وهو مشروع يجري العمل عليه منذ نحو عام، وتحديداً من شهر أيار 2020. ويتطابق المشروع مع تلك المشاريع المعمول بها في نحو 90 دولة حول العالم. ويقوم على تأمين الحد الأدنى من القدرة على العيش للعامل المصروف من عمله أو للعاطل عن العمل، فما هي تفاصيل المشروع وما هي العوائق التي تواجهه؟
تقديمات نظام البطالة
يستند نظام تأمين البطالة بشكل أساسي على تمويل من طرفي الإنتاج: العمال وأرباب العمل. قد لا يكون نظاماً سخياً، لكنه يبقى سنداً لعامل فقد عمله. ويشبه نظام البطالة إلى حد كبير الأنظمة السائدة في البحرين والأردن، ويشكل مرحلة انتقالية بين العمل والبطالة.
يقوم المشروع على تأمين راتب شهري لفترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر يتقاضاها العامل عندما يترك عمله، تساعده إلى حين إيجاد عمل جديد. وتشمل تقديمات نظام البطالة استمرار التغطية من الضمان الاجتماعي للعامل الذي فقد عمله. وتحدد النسبة المئوية للمساعدة بناء على عدد سنوات العمل، وتنخفض تدريجياً إلى حين انتهاء فترة الاستفادة من النظام. كأن يتقاضى عامل فقد عمله، على سبيل المثال، 70 في المئة من راتبه الأخير في إطار نظام البطالة. وتتراجع النسبة إلى 60 و50 في المئة، وصولاً إلى 40 في المئة، إلى حين انتهاء فترة الاستفادة من النظام.
وهناك أمر ثالث يُضاف إلى المساعدة المالية والتغطية الصحية ويعزز التقديمات: شمول أشهر الاستفادة من نظام البطالة تعويض نهاية الخدمة. بمعنى أن يُصار إلى ضمها إلى أشهر الخدمة أو نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. لكن فكرة التقاعد لا تزال عالقة، ويجري النقاش حولها، فهي ترتب زيادة اشتراكات لاحقاً.
عراقيل المشروع
لا عقبات تعترض مشروع نظام تأمين البطالة حتى اللحظة، وفق تأكيد وزيرة العمل لميا يمّين في حديثها إلى “المدن”. فقد أخذت وزارة العمل وقتها الكافي للعمل على المشروع منذ عام تقريباً مع خبراء من منظمة العمل الدولية. وقالت يمين: “نحن نعمل على النظام الذي يتلاءم والوضع اللبناني، كما أن تنوع الأنظمة تتداخل فيه عوامل عدة. لكن يبقى الأساس هو التوافق عليها بين أصحاب العمل والعمال”، لافتة إلى أنه بعد الأخذ بملاحظات العمال وأصحاب العمل يصبح المشروع جاهزاً بشكل تام، ويقدم كاقتراح قانون إلى مجلس النواب أو إلى الحكومة الجديدة.
تمويل النظام
اقترح المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي محمد كركي أن تتوزع تكلفة تغطية نظام تأمين البطالة بين العامل وصاحب العمل من خلال زيادة الاشتراكات، مع استثناء الدولة من التمويل: “ذلك لأن الدولة لم تلتزم بمتوجباتها مع صندوق الضمان. ولكي ينجح المشروع ويتمتع باستمرارية واستدامة مالية، اقترح الضمان ألا يكون للدولة أي يد بتمويله”، يقول كركي في حديث إلى “المدن”. غير أن فريق العمال وكذلك منظمة العمل الدولية فضّلوا إشراك الدولة بالمشروع، لأن في ذلك استبعاد لها. ويوضح كركي أن هذا الأمر لم يتم بته حتى اللحظة. وبدورها الوزيرة يمّين تفضّل عدم استبعاد الدولة من مسؤوليات تأمين تمويل نظام البطالة.
شروط الاستفادة
وفق نظام البطالة يستفيد العامل اللبناني من التقديمات في حال ترك عمله بعد عامين على الأقل أو أكثر من العمل،
أي حسب سنوات الخدمة والاشتراك في الضمان. وفي ما يتعلق بالفئات المشمولة بالمشروع،
اقترح كركي في البداية شمول الأجراء المسجلين في الضمان الاجتماعي فقط، على أن يتم توسيع الشرائح المشمولة لاحقاً، بشكل تدريجي.
على الأقل يحتاج النظام عامين حتى يبدأ العمال بالاستفادة منه.
لكن كي نضمن انطلاق المشروع فوراً، أي قبل البدء بتمويله من الاشتراكات، من الممكن وفق كركي،
العمل به فوراً في حال الحصول على هبة مالية من إحدى الدول أو المنظمات الدولية.
حينذاك من الممكن تغطية العمال الذين يفقدون عملهم حالياً وبشكل فوري.
ملاحظات
وتفادياً لإدخال الملف في سجالات وتجاذبات، جرى العمل عليه من قبل وزارة العمل والضمان الاجتماعي ومنظمة العمل الدولية
من دون إشراك ممثلي أرباب العمل والعمال، إلى حين الفراغ من وضع النظام بصيغة شبه نهائية.
وقد جرى عرضه منذ أيام على ممثلي الاتحاد العمالي العام وأصحاب العمل للوقوف على آرائهم والاستماع إلى ملاحظاتهم.
وبحسب معلومات “المدن” فإن بعض ملاحظات أرباب العمل قد تشكل إحدى العراقيل أمام النظام بمجمله.
فقد اقترح ممثلو أصحاب العمل، وفق مصدر،
بأن يتم إلغاء تعويضات الصرف التعسفي طالما أن نظام تأمين البطالة سيتكفل بتغطية المصروف من العمل مادياً وصحياً.
غير أن اقتراحهم، جوبه بالرفض، إذ أن تعويضات الصرف التعسفي تعد ركنا أساسياً من أركان قانون العمل اللبناني
وتمثل أحد حقوق العامل، ولا يمكن التنازل عنها.