جهتان تطلبان الدولار بكميات كبيرة وتتلاعبان بسعره
جهتان تطلبان الدولار بكميات كبيرة وتتلاعبان بسعره
الدولار
في الشهرين الأخيرين من العام الماضي انتشرت أخبار وتحليلات عن “اقتراب صدور بيان أو تعميم” لمصرف لبنان، يقلب السوق السوداء رأساً على عقب، فكثُرت التوقعات بشأن التوقيت
والسعر الذي سيصل إليه الدولار، الذي لم يكن قد تخطّى عتبة 44 ألفاً بعد.
مرّت الأيام ولم يصدر أي تعميم “سحري”، بل ارتفع سعر الصرف إلى حدود 45 ألفاً عند نهاية العام.
أعلن المصرف المركزي نيته بيع الدولار على سعر صيرفة من خلال المصارف، ورفع سعر
دولار صيرفة إلى 38 ألف ليرة، فتزعزع دولار السوق السوداء، وانخفض 3 آلاف ليرة، لكن لمدة لم تزد عن 24 ساعة، وعاود طريقه صعوداً.
بعد ذلك، قيل إن الدولار سينخفض فور بدء المصارف بتسليم الدولار الناتج عن عمليات صيرفة،
والذي احتاج في بعض المصارف إلى 6 أيام عمل. لكن السعر ظل في ارتفاع مستمر ولم ينخفض،
رغم بدء تسليم الدولار. وما كان متوقعاً -حسب مصادر مالية متابعة- حصل من خلال تخفيض
سقف عمليات صيرفة إلى حدود 100 مليون ليرة في بعض المصارف الصغيرة نسبياً،
مقارنة بالمصارف الكبيرة التي حددت شروطاً لتنفيذ العملية قوامها توافر 50 ألف
دولار (لولار) في حساب المودع الذي يرغب بتنفيذ عملية صيرفة. أي بمعنى آخر، حصرت العملية بالأثرياء.
لم يحصل أي تعديل إيجابي في سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، بعد التعميم
الجديد للمصرف المركزي. بل العكس تماماً، أصبح سعر الدولار على عتبة 50 ألفاً،
الأمر الذي يطرح التساؤل حول قدرة المصرف المركزي على التحكم بسعر الصرف،
بظل وجود مافيات تعمل على إبقاء الدولار “الأسود” لعبة بيدها.
طلب 7 مليون دولار بيوم واحد
في هذا السياق، تكشف المصادر المالية المتابعة عبر “المدن”، أن المصرف المركزي
لم يفقد السيطرة على السوق. فجزء كبير من الطلب على الدولار يقوم به المصرف
مباشرة. مشيرة إلى أن أحد الأشخاص المعروفين في السوق السوداء، طلب الأسبوع
الماضي بطريقة “الكشف”، أي الشراء المؤجل، 7 ملايين دولار، يُريدها بعد يومين،
على سعر صرف أعلى من السوق بمئتي ليرة. مع العلم أن سعر الصرف كان متحركاً،
وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بوقت قياسي 500 ليرة لبنانية. وتشدد المصادر
على أن هذا الشخص مرتبط بالمركزي، ويبيعه الدولارات، ولا يمكن لأحد أن يشتري بصيغة “الكشف”
مبالغ كبيرة جداً كهذه، ما لم يكن قد “ثبّت” عملية البيع مسبقاً، ولجهة
قادرة على الوفاء بوعد الشراء. وهي في تلك الحالة كانت المصرف المركزي.
لذلك من الخطأ القول أن المصرف فقد السيطرة على السوق السوداء. فهو كان ولا يزال اللاعب الأقوى فيها.
خبايا عالم الدولار
لا يملك أطراف السوق السوداء القدرة على تخفيض سعر صرف الدولار
، تقول المصادر، مشيرة إلى أن قدرتهم محصورة برفع السعر عبر الطلب
الكبير وعلى أسعار مرتفعة، عادة ما تكون أعلى من السوق. ما يجعل البقية
يلحقون بالسعر الأعلى، ويُخسّر البعض ممن يعملون على مجموعات الكشف، أي الشراء أو البيع المؤجل.
وفي هذا السياق، كانت تنتشر التسجيلات الصوتية لصرّافين معروفين يشتمون
بعضهم البعض ويتوعدون بالرد، كون بعض الخسائر الضخمة التي وقعت مؤخراً
في هذه السوق كانت تستهدف أشخاصاً محددين. فعندما يطلب احدهم مبلغ
مليون دولار مؤجل إلى ما بعد أسبوع، وتكون كل المؤشرات تتحدث عن انخفاض
بسعر الصرف، يعمد خصومه إلى طلب الدولار على أسعار أعلى من سعر السوق،
فيرفعون سعره، وتقع الخسائر التي عادة ما يقوم الخاسر “بتسكيرها” (تسديدها)
من خلال عرض أملاكه للبيع على مجموعات مخصصة لذلك، ليشتريها ربما الأشخاص أنفسهم الذين قاموا بتوجيه الضربة له، بأسعار محروقة.
عمليات مبهمة
تكشف المصادر أن رفع سعر السوق لا يمكن فعله سوى بحالتين. الأولى،
الشراء لحساب جهة قوية جدا قادرة على دفع الليرات بغض النظر عن قيمتها،
وهنا المقصود مصرف لبنان، الذي يطلب مبالغ كبيرة بشكل يومي، عبر شركات مالية معروفة،
وصرافين معروفين، وأحياناً غير معروفين، وهو ما خلق إشكالات بين الصرافين. والثانية،
هي الشراء لحساب جهات تُخرج الدولار من لبنان إلى الخارج (سوريا وتركيا). و
هنا أيضاً لا يكون مهماً كمية الليرات المدفوعة في هذه الحالة.
وفي سياق الحديث عن عمليات شراء كبيرة “مبهمة”، تكشف المصادر أن
أحد أكبر الإشكالات في السوق السوداء، التي وقعت منذ شهر ونصف تقريباً، كان
سببها قيام أحد الأشخاص، وهو دخل حديثاً على السوق، ويعمل في المجال الطبي،
بطلب كميات كبيرة من الدولار عبر أشخاص يتبعون له بالسرّ، من أحد الصرافين
المعروفين في منطقة الغبيري، وهو ما أدى إلى إشكال كبير وبلبلة بين الصرافين،
وإلغاء عمليات شراء مؤجل كبيرة جداً، عندما اكتشف الصراف من يقف خلف عمليات الشراء هذه.
الدولار بكميات كبيرة وتتلاعبان
بالنسبة إلى المصادر، لم يكن مصرف لبنان يهدف لخفض سعر الصرف
في تعميمه الأخير حول بيع الدولارات عبر صيرفة، ليُقال إن المصرف
فشل في مهمته وفقد السيطرة على السوق، لأنه قادر بساعة واحدة على وقف طلبه للدولار، لينخفض الطلب في السوق إلى حدود النصف وربما أكثر، ما يُخفّض سعر الصرف بسرعة جنونية.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا