الدولار يعاود التحليق متحدّيًا منصّة صيرفة.. إليكم الأسباب وسقف التوقعات
بقلم نوال الأشقر – لبنان 24
انتظرنا منصّة Sayrafa، علّها تعقلن الدولار المتحكّم بأمننا الغذائي والصحي ومجمل مصيرنا في جغرافية لبناننا المأزوم ماليًا وسياسيًا وربما وجوديًّا. لسنا نحن فقط، فئة جاهلي لغة الأرقام وعالم الإقتصاد وتحليلاته، من استبشرنا خيرًا بقدرة المنصّة المستحدثة على لجم إرتفاع الدولار من دون سقوف، بل سبقنا إلى ذلك وزير المال الآتي من عالم الإقتصاد غازي وزني، معلنًا في حديث تلفزيوني أنّ “الرقم المتوقع الذي سيصل إليه سعر صرف الليرة أمام الدولار من خلال المنصّة هو 10 آلاف ليرة” ولو أنّه رقمٌ ليس بقليل، لكنّه أفضل من اللا سقف.
المنصّة انطلقت بعد أكثر من تأجيل، بسعر 12000 ليرة للدولار الواحد، وفق ما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، موضحًا آلية عملها، وما تتطلبه من تسجيل طلبات تُدفع بموجبها “الدولارات الاميركية لدى المصارف المراسلة حصرًا”. لكن الدولار واصل تحليقه من دون أن يكون للمنصّة الحديثة الولادة أي تأثير على مساره الجنوني.
“من دون شك كان هناك مبالغة في التوقعات، بحيث تمّ الإعلان عن المنصّة عندما قفز الدولار إلى 15 ألف ليرة، لتنفيس الإحتقان في حينه، وعمدوا إلى تصويرها وكأنّها تهدف إلى لجم ارتفاع سعر الصرف، بالتالي كان لجزء من إخراجها علاقة بالظروف” وفق قراءة الخبير الإقتصادي الدكتور باتريك مارديني لـ” لبنان 24″ مستبعدًا أن تتمكّن المنصّة من تخفيض سعر الصرف “ولو أنّه على المدى القصير قد ينخفض السعر من 13000 الى 12000، في حال ضخّ مصرف لبنان دولار في المنصة، بما يخلق عاملًا نفسيًّا يشجّع اللبنانيين على بيع دولاراتهم المخزّنة في منازلهم، ولكن هذا عمل موقت وغير مستدام”.
طباعة الليرة تتسبّب بارتفاع الدولار
تفلّت الدولار أكبر من منصّة صيرفة وغيرها من الإجراءات في إطار لعبة شراء الوقت، فضلًا عن المنصّة السياسيّة التي تحول دون ولادة حكومة إنقاذية تبدأ بتنفيذ برنامج إصلاحي، يلجأ المصرف المركزي إلى طباعة الليرة لتغطية العجز الكبير بين إيرادات الدولة ونفقاتها، ولتمويل سحوبات المودعين من المصارف، الأمر الذي يؤدي وفق مارديني إلى ارتفاع سعر الصرف “كلما تمّ طبع المزيد من العملة الوطنية كلما ارتفع سعر الصرف أكثر، مع منصّة أو من دونها. كون السيولة بالليرة تؤدي لزيادة الطلب على الدولار، فالمواطن يوظّف قدرته الشرائية بالليرة إمّا بالإقبال على شراء السلع، والتي يتمّ استيرادها بالدولار، أو بشراء الدولار من السوق الموازية لعدم ثقته بالليرة”.
الدولار إلى مزيد من الإرتفاع
لا مؤشر على وضع حدّ لطبع الليرة من دون عملات أجنبية توازيها، لهذا يرى مارديني أنّ الدولار سيواصل مساره التصاعدي
في المدى المتوسط والبعيد “طالما لم تنجز الإصلاحات في القطاع العام من أجل خفض النفقات العامة،
ولم تتم عملية اعادة هيكلة القطاع المصرفي، ستستمر سياسة طبع الليرة، بالمقابل سيرتفع سعر الصرف، ولا يمكن للمنصّة أن تثبّته في ظل هذا الواقع”.
تمويل المنصّة من دولار المودعين؟
بات واضحًا أنّ مصرف لبنان سيموّل المنصّة وحده، والمصارف لن تساهم في ذلك ولن تستخدم مخزونها بموجب التعميم 145،
على الأقل هذا ما بدا جليًّا بإعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل أيام،
أنّه سيقوم بعمليات بيع الدولار للمصارف المشاركة فيها. لكن في ظلّ استزاف احتياطه من العملات الصعبة
من أين سوف يأتي المركزي بالدولار لتمويل المنصّة؟
يجيب مارديني “هناك طريقتان، الأولى أن يضخّ الدولار من ما تبقى من احتياطه، وفي هذه الحال
قد يتمكّن من خفض سعر الصرف قليلًا ، ولكن هذه العملية لا يمكن أن تستمر لأكثر من شهر أو شهرين،
كونه لا يملك الدولار ووصل إلى الإحتياطي الإلزامي، والطريقة الثانية أن يلجأ إلى السوق الموازية
لشراء الدولار بـ 13 و 14 ألف لبيعه على المنصّة بـ 12 ألف،
وتمويل الفرق من طباعة الليرة، هذا الإجراء في حال حصوله سيجعل دولار المنصّة بـ 12 ألف، لكن بالمقابل دولار السوق سيقفز أكثر بكثير”.
مجلس النقد لإيقاف التضخم
بالمحصّلة إذا كان الهدف من المنصّة هو التحكّم بسعر الصرف وخفضه، فالمنصّة لن تنجح بذلك،وفق مارديني،
سوى في المدى القريب بأفضل الأحوال، “فهي بمثابة مرآة للسوق الحقيقية الموازية وعبارة عن تشريع هذه السوق.
وبرأيي الطريقة الوحيدة لخفض سعر صرف الدولار هي عن طريق وقف طباعة الليرة غير المغطّاة بالعمليات الأجنبية.
وهذا الأمر يمكن أن يتحقّق بإصلاح وحيد،
من خلال إنشاء مجلس النقد
ما يُعرف بالـ Currency board، يمكن له أن يمنع طباعة المزيد من الليرة، ويخفض سعر الصرف دولار. وأي إجراء آخر ليس سوى عملية ترقيع قد تصيب على المدى القصير وقد لا تصيب، ولكن على المدى الطويل لن تنجح”.
كل المشهدية المالية والإقتصادية مرتبطة بالوضع السياسي، من شأن إنفراج الأخير أن ينعكس
إيجابًا على الوضع النقدي في البلاد، لكن أهل الحل والربط المولجين بتأليف الحكومة وليس
“كلن يعني كلن” غير معنيين بكل ما يجري من كوارث معيشية واجتماعية ومالية،
لأنّ أنانياتهم الحالية والمستقبلية وباعتراف العالم أجمع تعلو على مصلحة البلاد وعبادها.