رواتب تمّوز مهدَّدة .. وماذا عن رواتب الأشهر اللاحقة
رواتب تمّوز مهدَّدة .. وماذا عن رواتب الأشهر اللاحقة
خَرَجَ قرار وزارة المالية حول عدم استطاعتها صرف الرواتب والتعويضات والأجور والزيادات المستحقّة لآخر شهر حزيران، وكأنّه إعلان عادي عن أمر “بسيط” ومفروغ منه. لكنّه، في حقيقة الأمر، إعلان عن أن عائلات لبنانية لا تملك سوى فتات ما بات يسمّى “رواتب”، لن تستطيع الحصول عليها. وما تُعزّي الوزارة نفسها به، هو تحذيرها المسبَق من هذه المعضلة، في نهاية شهر أيار المنصرم.
على أنَّ المشكلة أبعد ممّا يظهّر. إذ يُبَيِّن قرار المالية في وجهه الآخر، أن بعض الموظّفين لن يحصلوا على رواتب شهر تموز، وربّما على رواتب الأشهر اللاحقة. والأهم، أنه يعكس استكمال انهيار القطاع بأكمله.
حزيران وتمّوز وما بعدهما
هي القاعدة الإثني عشرية التي تلتزم بها الوزارة لصرف الرواتب والمستحقّات، ولا تستطيع تجاوزها ما لم يشرِّع مجلس النواب فتح اعتمادات إضافية لتمويل صرف الرواتب.
وما لم تشرحه الوزارة، هو أن موظّفي الملاك والمتقاعدين، قبضوا رواتب ومستحقات شهر حزيران، لأنهم يقبضونها مطلع كل شهر وليس في نهايته، فيما المتعاقدون والأجراء يقبضون في نهاية الشهر، ما يعني حرمانهم من رواتبهم.
إلاّ أن رواتب موظّفي الملاك والمتقاعدين لشهر تموز المقبل، ستكون مهدَّدة. وما لم يسارع مجلس النواب إلى التشريع، أو تبادر السلطة السياسية ككل إلى ابتداع مخرج مناسب، ستُهَدَّد رواتب ومستحقات الأشهر الأخرى.
سبعة رواتب بلا قيمة
الرواتب المهدّدة مجموعها سبعة، وتنقسم بين الراتب الأساسي وحقٌّ براتبين إضافيين أُقِرَّ في نهاية العام 2022، ثم أربعة رواتب أُقِرَّت في نيسان الماضي. إلاّ أن الحقوق، وإن دُفِعَت، فستبقى بلا قيمة فعلية “لأنها زيادات وهمية. فهي تخضع لحسومات الصناديق الضامنة وضريبة الدخل التي باتت بشطور أعلى، فضلاً عن تأثير دفعها على منصة صيرفة بسعر 86300 ليرة بدلاً من 60000 ليرة. ناهيك عن “امتصاص قيمة الزيادة من خلال ارتفاع مستويات الفواتير في الكهرباء والاتصالات وأسعار السلع”، وفق ما تقوله لـ”المدن” رئيسة رابطة موظفي الإدارات العامة، نوال نصر، التي تؤكّد أن ممارسات السلطة السياسية لم تقف عند حدّ عدم توفير الرواتب العادلة، بل ذهبت إلى خلق تفاوت بين موظّفي الإدارات والمؤسسات العامة لناحية قبض الرواتب “ففي شهر أيار الماضي، قَبَضَ موظّفو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة كهرباء لبنان وهيئة أوجيرو ومجلس النواب، رواتبهم على دولار 60 ألف ليرة، فيما قَبَضَ موظّفو الإدارات العامة رواتبهم وفق دولار 86300 ليرة”.
ابتداع الحلول
تنتظر وزارة المالية التئام مجلس النواب ليُشرِّع فتح الاعتمادات. لكن نصر ترى بأن “رمي الكرة في ملعب المجلس النيابي، أمر غير مُبَرَّر. فبرغم قانونية الطرح، إلاّ أن تجاوز الوزارة لهذا الموجِب لن يكون الأوّل والوحيد، ولطالما اجترحت الوزارة الاجتهادات لدفع أية نفقة تريدها”. وتستغرب نصر كيف تتباطأ الدولة في إيجاد حلول لموظفي الإدارات العامة، وتسارع في “التجاوب مع مطالب موظّفي المؤسسات العامة مثل كهرباء لبنان وأوجيرو، بالإضافة إلى موظفي قطاع الخليوي، ذلك أن المستفيد الأبرز من تلك المؤسسات ليس الدولة، فوَجَبَ بالتالي تأمين مصالح المستفيدين. والمشكلة أن تأمين المصالح يأتي على حساب الدولة ومالها العام. لكن في إدارات الدولة، المستفيد هو المالية العامة والموظّف والمواطن، وهذا ليس مهمّاً بالنسبة للمسؤولين”. أمّا انتظار جلسة المجلس النيابي، فيعني بالنسبة لنصر “ربط مصير ربطة الخبز التي بالكاد يؤمِّنها هذا الراتب، بجلسة تشريعية تحول دونها الاصطفافات السياسية”.
يَقِفُ الزمن في هذه اللحظة بالنسبة لموظّفي الملاك والمتقاعدين والمتعاقدين والأجراء، فالكُل مهدَّد في هذا الشهر أو غيره، لأن المعضلة تبقى في حقيقة تفكُّك القطاع العام ليستكمل انهياره بعد أن جرى تضخيمه بفعل التوظيف السياسي. وما يحصل راهناً في قضية الرواتب “لا تفسير له سوى أن القاتل يقف أمامنا ويقتلنا”، تقول نصر.
المدن