زحمة لبنانية في موسكو..
المصدر: الأخبار
ليسَت هي المرّة الأولى التي يزور فيها الرئيس سعد الحريري موسكو، لكنه قصدها هذه المرّة رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة في أصعب أزمة سياسية ــــ مالية يمُرّ بها لبنان. وتكتسِب هذه الزيارة أهمية خاصة، في ظل البحث عن «مايسترو» خارجي يستطيع رسم خريطة طريق مستقبلية لإدارة البلد مع المحافظة على التوازنات. في رأي أوساط متابعة لأجواء الزيارة، هدف الحريري من خلالها الإيحاء بحصوله على دعم روسي، ولو بالشكل، بينما «تأتي زيارته ضمن سلسلة زيارات قامت بها أطراف لبنانية، وستليها زيارات أخرى، من ضمن مسار أطلقته روسيا للتواصل مع القوى السياسية كافةً، على سبيل المساعدة، وتقريب وجهات النظر».
ولعلّ أكثر ما عكس اهتمام الحريري بصورة الزيارة أكثر من مضمونها، هو حرص فريقه على الاهتمام بالشكليات، فأحاط نفسه بعدة سيارات «مرسيدس» مع عدد من المرافقين الذين تعمّدوا إظهار أسلحتهم. نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخايل بوغدانوف استقبل الحريري في المطار. ووصل الأخير إلى مبنى وزارة الخارجية الروسية بمرافقة أمنية وانتظره أمام المبنى فريق حمايته الخاص، ومعهم موظف محلّي غير دبلوماسي في السفارة اللبنانية ينتمي إلى تيار المستقبل، ومترجم روسي.
وعلى الرغم من غياب السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار عن الاجتماعات الرسمية للحريري، كون الضيف رئيساً مكلفاً لا رئيساً فعلياً للحكومة، إلا أن الأخير استشار السفير حول أفكار لطرحها كنقاط بحث مع رئيس الوزراء الروسي ميخايل ميشوستين. فاقترحَ بو نصار موضوع الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في روسيا (حوالى 800 طالب) والذين يواجهون مشكلة عدم السماح لهم بالعودة إلى الالتحاق بأماكن دراستهم في روسيا، بسبب جائحة كورونا. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يواجهون مشكلة الأقساط، إذ طرح بو نصار إمكان إعفائهم منها أو تخفيف العبء عنهم بخفضها أو تقسيطها. وأبلغ بو نصار الحريري أنه كانَ قد طالبَ الجهات الروسية المعنية بهذا الأمر. أما الأمر الثاني، الذي نصح بو نصار بطرحه، فيتعلّق بإعادة تسيير رحلات لشركة الطيران الروسية، «إيروفلوت»، إلى لبنان، وهو ما لا يُمكن تحقيقه إلا بقرار سياسي. وقد استجاب الحريري لذلك، وناقش الأمر مع الروس.
وبعدَ ما أثاره الاتصال الهاتفي بين الحريري والرئيس فلاديمير بوتين من تساؤلات وسخرية، قالَ مطّلعون إن «بوتين فرض نظاماً محكماً لدائرة لقاءاته، إذ على كل من يريد الاجتماع به أخذ لقاح مضاد لكورونا، وإجراء الفحص والخضوع للحجر مدة 14 يوماً». وإن هذه الإجراءات متّبعة مع الزائرين الأجانب كما مع المسؤولين الروس، لذا فإن معظم اللقاءات تنعقد إلكترونياً.
وقد أوضحت مصادر دبلوماسية مطّلعة على اللقاءات بعض المسائل، فأشارت إلى أن لقاء الحريري مع رئيس الوزراء الروسي هو الأول، فكانَ لقاءً مقتضباً للتعارف، رغم أنه طرح قضايا للتعاون الاقتصادي.
وذكرت المصادر المطّلعة أن «الحريري طرح موضوع التعاون الاقتصادي مع ميشوستين، وأيضاً مع وزير الخارجية سيرغي لافروف، فيما استغرب المسؤولون الروس «كيف لهذا التعاون أن يتم والحريري هو رئيس مكلف وليس رئيس حكومة فعلياً». وبمعنى آخر، قصد هؤلاء أن «كلام الحريري يبقى في إطار الحب من طرف واحد، ولا يُصرف في العلاقات الدولية ولا يُمكن أن يُستتبع بخطوات عملية يمكن أن يبنى عليها كنتيجة لزيارة رئيس مكلف». كما أشارت المصادر إلى أن «الحريري كان يرغب في الحصول على إشارة دعم من موسكو، وقد حصل عليها من خلال حثّه على الإسراع في قيامه بمهمة تأليف الحكومة، وهو الموقف الروسي الذي لم يتغيّر وذكر في البيان الرسمي بشأن الزيارة».
ويرى الدبلوماسيون المطّلعون في روسيا أن التفاؤل في قرب تأليف الحكومة سابق لأوانه. وهم يأملون من خلال تواصلهم مع الأطراف اللبنانية كافّةً أن يساعدوا على خلق مناخ إيجابي، ويرون أنّ من غير المفيد حرق المراحل والاستعجال في الضغط لإنتاج حلول غير قادرة على الاستمرار أو غير قابلة للنجاح، فالأفضل التروّي لإنتاج حلّ ثابت. وهم يكرّرون أن الحل ليس في موسكو، بل في الضوء الأخضر الذي لم يصدر عن واشنطن للحريري وللدول المعنية في عملية الدعم!
ومن ضمن سلسلة اللقاءات التي يجريها المسؤولون الروس مع الأطراف اللبنانية السياسية كافة، من المفترض أن يزور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موسكو في 28 نيسان، وتم تحديد موعد لقائه مع لافروف في 29 نيسان. ومن المتوقع أن يزور النائب طلال أرسلان موسكو في وقت لاحق بداية شهر أيار كذلك من ضمن سياق التواصل نفسه. أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فزيارته متوقعة في وقت لاحق قد تكون في النصف الثاني من أيار أو بداية حزيران.