ما للقاضي بيطار وما عليه…
بقلم سامي كليب – موقع لعبة الأمم
يُفاجأ المرءُ من مفاجأةِ البعضِ في كلِّ مرةٍ يتعقّد ملفٌ قضائي أو تحقيقٌ في لبنان، فتمييعُ التحقيقات أو تسييسُها، أو الضغطُ على القضاة ليس جديداً، والذي يختلف في كل مرّة هو فقط أسباب الضغط أو التمييع أو التسييس. ولعلّ هذا ما يجب معرفته بعد تسريب معلومات تقول إن المحقّق العدلي طارق بيطار تعرّض لتهديد من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا.
دعونا نطرح مجموعة من الأسئلة كي نفهم لا كي نشرح، ذلك ان كل المعلومات غير متوفّرة وقد لا تتوفّر:
* هل تم التأكد من مضمون ما قيل إنه تهديد ومن كيفية التسريب وأسباب إعلانه؟ فحتى الآن لم نسمع سوى عن ” ارتياب واستياء ” ولو دقّقنا في ما حصل، نستنتج أن ” التسريب” لم يكن بفعل الصدفة ولا هو ” سكوب” إعلامي، وإنما هو تبليغٌ مدروس ومُبرمج وشبه عَلّني عن الاستياء ( الذي قد يكون تهديدا)، ما يعني أن نصائح ثم امنيات ثم تعبير عن استياء وُجّهت سابقا للقاضي مباشرة او عبر وسطاء ولم تنفع في تعديل موقفه.
هل ثمة استقلالية فعلية للقاضي في لبنان كي يتصرف وفق ما يمليه عليه القانون والضمير، أم أن هذا وهمٌ وحلم في بلد شهد أسوأ شلل للقضاء بسبب التحكّم السياسي بمفاصله، وتردّد الجسم القضائي في المواجهة الحقيقية. فربما القاضي بيطار ذهب أكثر مما ينبغي في ملف معقّد جدا تشتبك فيه مصالح محلية وإقليمه ودولية كثيرة. فهل كان شجاعا أكثر مما يُفترة في التعاطي مع قضية هائلة بحجم تفجير مرفأ وما خلفته من ضحايا أبرياء؟ أم كان مغامرا وعنيدا أكثر من المقبول
هل القاضي بيطار مُحِقٌ في كل ما يفعل؟ أي هل التزم حرفياً بالدستور والقوانين المرعية، أم أنه كغيره من القضاة يُخطئ ويُصيب، ويتأثر ب “إطار عام” شخصي وعائلي وثفافي وسياسي واجتماعي وغير ذلك؟ صحيح أن البعض يمتدح كثيرا من خصاله، لكن ماذا لو كان قاضٍ آخر مكانه، هل كان سيعتمد سير التحقيق نفسه؟
هل بقي الملف بعيدا عن المؤثرات الخارجية؟ بمعنى هل أن بعض الدول المناهضة بقوة لحزب الله،
لم تحاول من قريب أو بعيد التأثير على الملف، عبر تقديم معلومات استخبارية، وحجب صور الأقمار الصناعية،
والتأثير مباشرة على بيطار؟ هذا سؤال كبير، يجب الإجابة عليه بالمعلومات وليس بالتكهنات،
فأمين عام الحزب طالب بيطار أكثر من مرة بكشف نتائج التحقيق ، بينما يقول البعض الآخر إن مثل هذه التحقيقات يجب أن تبقى سرية.
من كان يسرّب ولماذا تم تسريب بعض تفاصيل التحقيقات قبل ومع تولي القاضي بيطار الملف؟
فهذه أدت إلى خلاصات واستنتاجات إعلامية وسياسية أفضت إلى تعقيدات ومشاكل عديدة.
هل وصول حزب الله والآخرون من (الخليل الى فينيانوس الى المشنوق وغيرهم) الى مرحلة الاستياء،
مُتشابه تماما، أم أن لكلٍ من هذه الأطراف رأيها لأسباب مختلفة؟ لعل استدعاء المدير العام للأمن العام اللبناني
اللواء عباس إبراهيم، دقّ جرس الإنذار عند الحزب أكثر من غيره، فشعر بأن ثمة اتجاها في التحقيق يُشبه
ما كان عليه الأمر بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
وطُرح أكثر من سؤال
عن قانونية التوقيف المفترض قبل الإستجواب.
ماذا كان الموقف الحقيقي للنيابة العامة التميزية؟ كيف تعاملت مع الملف الذي لها فيه صلاحيات .
أين أخطأت وأين أصابت؟
ما هي القصة الحقيقية للنيترات الأخيرة التي تم ضبطها ( التي سميت النيترات البقاعية أو نيترات الأخوين صقر )؟،
من أين أتت وما هي خطورتها وعلاقتها بالمرفأ، وهل فيها ما يوجّه الأنظار إلى طرف آخر غير حزب الله،
ويعدّل سير التحقيق؟
هل حزب الله يريد إخفاء شيء كما يقول خصومه، أم أنه مرتاب كما يشرح أنصاره؟
لماذا شعر بالخطر؟ فهو أقوى بكثير مما كان عليه عام 2005 عسكريا وسياسيا، واستعاد شعبية لا بأس بها بعد بواخر المازوت الإيرانية.
هل يشعر بأن ثمة من يريد استعادة أجواء ما بعد اغتيال الحريري واعادته الى قفص الاتهام لقطع الطريق
على كامل المحور الذي ينتمي اليه من الإفادة مما يعتبره المحور ” انتصارات” استراتيجية؟
هل يشكُّ بأن في الأمر استباقا للانتخابات المُقبلة ومحاولة لقطع الطريق عليه للإتيان بأغلبية نيابية مناهضة
خصوصا ان المؤشرات الدولية تفيد بأن لا تغييرات جوهرية في الأغلبية الحالية في الانتخابات؟
وهل أن الأطراف الإسلامية تشعُر فعلا كما يردّد البعض من أن ثمة من يريد لهذا الملف ان يصل الى نتيجة مفادها أن المسلمين قتلوا المسيحيين في هذا التفجير؟
لماذا لم تلجأ الأطراف المتضرّرة منذ البداية الى الحجج القانونية وتفنّدها، بدلا من اتخاذ قرارات سياسية بعدم التجاوب والامتثال ثم تعود الى الجوانب القانونية الآن؟
لو نجحت الجماعة السياسية المناهضة لبيطار والتي تتهمه ضمنيا بتسيس التحقيق، في تنحيته عن الملف،
سيتحوّل حتماً الى بطلٍ شعبي عند البعض، ويرتاح البعضُ الآخر منه،
لكن من سيكون القاضي الذي يليه خصوصا ان تعيين قاض بديل يستجوب موافقة
مجلس القضاء الاعلى الذي لم يكتمل نصابه أو تكوينه حتى تاريخه ؟ من يختاره وكيف؟
ماذا لو هاجر القاضي وتحدّث وأحدث فضائح لقلب المعادلات ؟ وفي أي اتجاه سيسير ملف التحقيقات؟
ومن سيمنع ارتفاع لهجة المطالبة بتدويل الملف؟ ثم، وهذا هو الأخطر، ماذا لو
دخل طرف ثالث على الخط وقرّر لا سمح الله التعرض جسديا للقاضي بيطار لتوريط الحزب أو غيره؟
ماذا ستكون النتيجة على أرض لبنان؟ ففور أي أذى سيلحق بالقاضي بعد اليوم، ستوجّه أصابعُ الاتهام فورا الى الحزب.
ربما ثمة أسئلة أخرى مهمة ينبغي طرحُها، أما السؤال عن ردة فعل الناس، فيبدو أن الجماعة السياسية
ما عادت تعيره أهمية حقيقية، ذلك أن الناس لم يتحرّكوا جماعيا في قضايا خطيرة
تمس حياتهم اليومية مثل سرقة أموالهم وحرمانهم من البنزين والدواء والغذاء وضرب علمتهم الوطنية وافقارهم،
ولعل كل ما سنشهده هو أن العائلات المظلومة من أهالي شهداء المرفأ،
سيحملون عذابهم ويصرخون في الشوارع مطالبين بالعدالة، وسيتضامن معهم عدد من الناس، ثم يُطوى الملف، كما طويت ملفاتٌ كثيرة أخرى.
أنا شخصيا، كنت وما زلتُ أعتقد، أن قضية تفجير المرفأ أبعد من مجرد خطأ تلحيم،
وأنها مقصودة، وأن ما كان مطلوباً منها أكبر بكثير مما قيل ويقال. وأعتقد اليوم أن الناس بحاجة
لمعرفة كل التفاصيل كي لا يتسبب الأمر ببذور حروب كثيرة جديدة تضاف الى فقر وقهر الناس.