خطّة “النهوض” على ظهر الفقراء: زيادة الـ”TVA” إلى 15%
منذ عقود، لم تختلف الحكومات المتعاقبة بعضها عن بعض. العقل نفسه يدفع نحو زيادة الأعباء الضريبية بهدف واحد هو زيادة إيرادات الخزينة. ( ميقاتي )ورغم أنه كان يفترض أن تمثّل الأزمة فرصة للإصلاح الضريبي، إلا أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي
اتفقت مع صندوق النقد الدولي على زيادة الأعباء الضريبية،
وعلى رأسها زيادة ضريبة القيمة المضافة من 11% إلى 15%، أي زيادة الأعباء على المستهلكين من دون أيّ اعتبار للأعباء الهائلة التي وقعت عليهم في السنتين ونصف السنة الماضية. ففي هذه الفترة، سجّل التضخّم في الأسعار ما نسبته 825%، وهذه ضريبة هائلة وحدها. لذا، فإنّ تحميل المستهلك فاتورة الانهيار في الإيرادات العامة أيضاً من خلال زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% ليس سوى وصفة لمزيد من الفقر. فهذه الضريبة ستصبح مضاعفة مرات عدّة إذا اقترنت بزيادة في الدولار الجمركي.
ورد في خطة نهوض القطاع المالي التي أعدّتها
حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وأقرّتها في الجلسة الأخيرة، قبل أن تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال، أنه سيتم «توسيع القاعدة الضريبية». لم تحدّد هذه الخطّة ما المقصود بهذا التوسيع، وما إذا كان يشمل إعادة النظر بالسياسات الضريبية انسجاماً مع السياسات الاقتصادية المنوي تطبيقها في فترة «النهوض»، بل أدرجت الزيادة بالشكل نفسه الذي درجت عليه الحكومات السابقة. ففي موازاة استحداث ضرائب جديدة على استيراد أنواع معيّنة من السيّارات، وعلى مختلف أشكال الممتلكات المبنيّة، وعلى المشروبات الكحولية والسكّرية، ستزاد الضريبة على القيمة المضافة «TVA» من 11% إلى 15% بشكل تدريجي خلال عامين، أي زيادة بنسبة 40%. لكن المدير العام السابق للمحاسبة في وزارة المالية أمين صالح، يشير إلى أن «الحسبة أكبر من ذلك بكثير»، إذ إنه قبل احتساب ضريبة القيمة المضافة، هناك ضريبة أخرى ستزاد وهي: «إعادة النظر بسعر صرف الدولار الجمركي. التوقعات تدور حول احتسابه وفق سعر منصة صيرفة، ما يؤدي إلى زيادة في الرسوم الجمركية على السلع المستوردة
بنحو 15 ضعفاً». وفوق هذه الزيادة «ستضاف أكلاف
النقل والتأمين والتفريغ والعمولات، قبل احتساب
ضريبة القيمة المضافة». بمعنى أوضح، إن مفاعيل
ضريبة القيمة المضافة ستكون هائلة بعد كل هذه الزيادات، وستزداد وطأتها على المستهلك بشكل هائل.
المشكلة أن النقاش بشأن مفاعيل ضريبة القيمة المضافة على الطبقات الأدنى ليس مستجدّاً، فالجميع يعلم أن هذه الضريبة ستؤدي إلى زيادة في معدلات الفقر،
وأنها تأتي بعقل محاسبي فقط يستهدف زيادة إيرادات الخزينة من دون أيّ إصلاح ضريبي لأنه يعتمد على ضريبة غير مباشرة على السلع والخدمات. وفي العادة، تلجأ
قوى السلطة إلى هذه الضريبة لسببين: أنها ضريبة
تتمتّع بسهولة ومرونة في الجباية، وهي غزيرة الإيرادات
أيضاً إذ مثّلت 27% من مجمل إيرادات الخزينة بين
كانون الثاني 2021 وأيلول من السنة نفسها (أحدث الأرقام المتوافرة).
وقد أُدخلت هذه الزيادة باعتبارها إصلاحاً ضريبياً، علماً بأنها إجراء تعسّفي «لا يحقق الهدف المتوخى. ففي حالات الانكماش الاقتصادي والانهيار، لا مجال أبداً لزيادة الضريبة،
عدا عن كون دور الدولة الدفع وليس الشفط من جيوب المواطنين المتدهورة معيشتهم. هي تدفعهم حكماً إلى التهرّب الضريبي وسط غياب جهازٍ متخصّص لكشف المتهربين. ففي النتيجة، سيزيد الحسم الضريبي والانكماش الاقتصادي والتهرّب الضريبي وتضطر بعض المؤسّسات إلى إقفال أبوابها».
ولا تقتصر المشكلة حول زيادة التهرّب الضريبي بلا تحقيق الأهداف المحاسبية، فأصل المسألة يتعلق بكون القوى الحاكمة ليس لديها جرأة على الإصلاح من أساسه، وهذا ما يدفعها إلى الهروب نحو إجراءات من هذا النوع. فمن دون أن يكون هناك إصلاح يتعلق ببنية النظام الضريبي وشكل الضرائب ونوعها، والهدف الاقتصادي – الاجتماعي منها، لا يمكن أن يكون هذا الإجراء مدرجاً على النقاش أصلاً.
في المقابل، لم تقدّم هذه الخطّة سوى توزيع غير عادل للخسائر وغير هادف أيضاً. فالمشروع الاجتماعي الوحيد المقترح، هو مشروع زبائني بكل تفاصيله يقوم على ما يسمى «شبكات الأمان الاجتماعي»،
و«برامج الأسر الأكثر فقراً». وهذا المشروع، كما يراه مستشار التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة هو «معزول وجزئي»
لأنه «يطال فئات ضيقة جداً وتحكمه الزبائنية». ففي مقابل التعويض الزبائني المحكوم بنظرة متخلّفة للسياسات الضريبية، فإن «زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% سترفع كلفة المعيشة مباشرة بين 3 و4 أضعاف».
ويشير إلى أن «صندوق النقد الدولي، على علّاته،
يدعم الضرائب التصاعدية والتضامنية الاستثنائية
للتخفيف من وطأة الأزمة. وهذا ما رآه بعض
كبار المصرفيّين طروحات شيوعية». لذا، يعتقد
أن المقترح بهذه الزيادة هو «عملية إفقار جماعية
ومستدامة» تترافق مع التدهور العام في الخدمات
كالطبابة والتعليم. أما تبعاتها فهي تصيب «الفقراء
والطبقات الوسطى والعليا أيضاً. لكن المتضرّر الفقير
سيزيد فقراً، وبالكاد سيكون قادراً على تلبية حاجاته ا
لغذائية مع ارتفاع نسبة اعتماده على مساعدات
الأقارب أو الدولة أو المنظمات غير الحكومية».
هؤلاء، وفق نعمة، «لم تختلف نوعية حياتهم إنما زادت
أوضاعهم صعوبة، أما الطبقات الوسطى فهي في غالبيتها الساحقة شهدت تدهوراً، فضلاً عن تغيّر نمط حياتها.
هؤلاء، وفق نعمة، «لم تختلف نوعية حياتهم إنما زادت أوضاعهم صعوبة، أما الطبقات الوسطى فهي في غالبيتها الساحقة شهدت تدهوراً، فضلاً عن تغيّر نمط حياتها.
لذا، فإن الفئات الوسطى الدنيا ستصبح فقيرة حكماً،
والفئات الوسطى الوسطى ستزداد أوضاعها سوءاً».
في النتيجة، يدخل لبنان في فترة ما بعد الانتخابات
النيابية منعطفاً أشد خطورة على الصعيد الاجتماعي
والاقتصادي يصفه نعمة بـ«الكارثي»، سيتعمّق
أكثر مع إقرار خطة النهوض وضرائبها.
لذا يحذّر نعمة من تعاطي اللبنانيين مع نتائج الانتخابات باعتبارها مؤقتة. ففي ظل السياسات القائمة إن «الهرم الاجتماعي في لبنان سيكون على مدى 30 عاماً قادمة محكوماً بوجود قلّة قليلة ثرية، وغالبية ساحقة فقيرة، مع حتمية صعوبة إعادة تشكيلٍ للطبقة الوسطى كما عهدناها قبل سنوات».
الضرائب هي إحدى الأدوات الاقتصادية التي يمكن استعمالها
لتصويب التفاوت في المجتمع ولإعادة ضخّ الأموال
حيث النقص. الدولة تجمع الضرائب، لكنها تنفق في
المقابل، وبالتالي فهي عملياً تقتطع ممّن يحققون
أرباحاً أكبر أو لديهم ولوج أكبر على الأرباح بسبب
ضعف السياسات الضريبية، من أجل إنفاق الأموال
ضمن سياسة التنمية الشاملة. ردم هوّة اللامساواة ف
ي الدخل والثروة ممكن من خلال سياسات ضريبية.
لكن عندما يرتكز النظام على الضرائب غير المباشرة
التي تطال الفقراء أولاً، تسقط عنه صفة العدالة
فتتّجه الأموال من المجتمع (فقراء ومتوسطي حال)
إلى القلّة التي تتركّز بيدها الثروة. وهذا تماماً ما
تكرّسه خطة النهوض المالي. فما هو
المطلوب اليوم في ظل أكبر انهيار مالي
ونقدي؟ يجيب أديب نعمة: «لا يمكن إلّا أن يكون هناك ضريبة على الثروة، وتصاعدية على الدخل والضرائب على العقارات والتحسين العقاري».
ويضيف أمين صالح: «الضرائب العالية على الميراث،
وأخرى استثنائية كاقتطاع نسبة معيّنة من الأموال وإلغاء نحو 40 ضريبة…».
مواضيع ذات صلة
https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af/