عملية “تأجير رحمٍ” في لبنان.. تفاصيلٌ وحقائق علميّة
عملية “تأجير رحمٍ” في لبنان.. تفاصيلٌ وحقائق علميّة
داخل رحمها، حملت “لاميتا” (اسم مستعار) العاملة الأثيوبيّة في لبنان، “بويضات” و”بذرة” من أرباب عملها الذين تعمل لديهم كمُدبّرة منزل، لتُنجب بعد 9 أشهر توأماً بصحة جيّدة. ما حصلَ ليس قصّة من نسج الخيال، فهو حقيقيّ لكنه مُستغرب. بكل بساطة، فإنَّ كل الأمر ارتبط بعملية نقل للخلايا الجنسية من جسدي الزوجين اللذين تعمل لديهما “لاميتا” إلى رحم الأخيرة، وذلك كي يحصلا على ولدين بعدما فقدا الأمل من الإنجاب بسبب العُقم.
بعد الإنجاب، عادت “لاميتا” إلى بلادها بعد مغادرتها لبنان، فيما تندرجُ التجربة التي خاضتها هنا تحت إطار ما يُسمّى بعمليّة “تأجير الأرحام”. حتماً، المصطلحُ هذا يخشاهُ البعض للوهلة الأولى، لكنّها ظاهرة موجودة، وتتمثل بحمل امرأة غريبةٍ لبويضات ونطفة الزوج والزوجة، لتحمل برحمها جنينهما وتسلّمه للزوجين عند الولادة.
الظاهرة هذه بدأت غرباً لتكون فرصة ووسيلة في بعض الأحيان لتحقيق الأمل بحمل المولود المنتظر. إلا أنه ومع ذلك، تخطّت هذه الظاهرة أهدافهاً في أحيانٍ أخرى، لتُصبح صناعة تدرُّ الأرباح، حيث تُستغلّ النساء المتواجدات في الدول الفقيرة من قبل العيادات والمراكز الطبيّة من أجل جعل أجسادهنّ وسيلة للحمل بأطفالٍ لأشخاص آخرين مقابل بدل مادي يصل إلى 15 ألف يورو.
في الواقع، لم يكن لبنانُ بعيداً عن هذه الظاهرة التي يراها البعض غريبة ومُحرّمة دينياً، وقد تبيّن أن هذه العمليات تحصلُ ولكن بنسبٍ خجولة جداً، ما يعني أن الأرقام المعروفة لا تُشكل حقيقة فعلية. وبكل بساطة، فإنَّ العديد من النّساء يخفين الموضوع سواء لدواعي السمعة، أو لأمورٍ تخصُّ قانونية هذه العمليّة.. والسؤال الأساسي الذي يُطرح هنا: ما هو واقع لبنان وسط هذه الظاهرة.. وما هي وجهة نظر القانون والطب؟
‘الحلم” يبرّر المخالفة القانونيّة
في لبنان ليست هناك الجرأة الكافية للقيام بهذه الخطوة، لكن لا يمكن الجزم بشكل دقيق عدد العمليات التي تمت داخل العيادات اللبنانيّة”.. بهذه الكلمات يشرحُ الدكتور جو فرنسيس، الأخصائيّ في الجراحة النّسائيّة والتّوليد، لـ”لبنان24″ عملية تأجير الأرحام في لبنان، إذ يشير إلى أنَّ الأمر بات واقعياً ولا يمكن نكرانه.
يسرد فرنسيس خلال كلامه دواعي العملية التي تختلف بين العقم، أو بسبب مشكلات خلقيّة يشخّصها الأطباء في الرحم، كأن يكون حجمه صغيراً أو فيه تشوّهات، ما يجعل المرأة غير قادرة على حمل الجنين بشكل طبيعيّ.
وتوازياً مع ذلك، يشدد فرنسيس على أن هكذا عمليات لا يمكن القيام بها “أخلاقيًا” إلا بهذه الحالات المحددة، مؤكدًا على أنَّ أي هدف آخر تهدف له هذه العملية كالحفاظ على شكل الجسم، أو عدم تحمل صعوبة الولادة لا يمكن القبول به أبدًا.
لا يخفي فرنسيس تأييده لهذه العمليات، إذ يشير خلال حديثه مع “لبنان24” إلى أنَّ لجوء الزوجين لعملية تأجير الأرحام والحصول على جنين تابع لهما جينياً بنسبة 100% هو أفضل بألف مرة من تبني طفل، نسبةً إلى المشاكل الكبيرة التي قد تعترض عملية التبني مستقبلاً. مع هذا، فقد أكد فرنسيس أنه على اللبنانيين الذين يريدون القيام بهذه الخطوة، يضطرون للسفر إلى الخارج بهدف إجرائها، وسأل: “ما الذي يمنع من تشريعها في لبنان؟”.
ومن هنا يؤكد فرنسيس على أنَّ العائقَ القانونيّ الأكبر الذي يدفع بالزوجين إلى الذهاب للخارج يتمثّلُ بامتناع المستشفيات اللبنانيّة عن تسجيل المولود لأن لا وجود لأي غطاء قانوني واضحٍ لهذه العملية، خصوصاً لناحية تحديد نسب الأم. إلا أنه في الوقت نفسه، يؤكد فرنسيس أنَّ المولود هو ابن الأب والأم تماماً، ولا يمت بصلة للأم البديلة التي فقط تكفّلت بحمل المولود.
بدورها، أكدت مصادرٌ طبيّة متابعة لـ”لبنان24″ أن هذه العمليات تتم في لبنان، إذ صادفت المصادر عملية نقلِ بويضات من أمٍ لاختها، لتحمل المرأة جنين أختها بين أحشائها.
ووفقاً للمصادر، فإنَّ “هذه العمليات تكثرُ في المجال الطبي ولو أن القانون منع بشكل واضحٍ أي عملية لتأجير الأرحام”.
ماذا يقولُ القانون؟
قانونياً، الأمر مختلف تماماً، ويؤكّد المحامي والمختص بالملفات الطبية الدكتور أشرف رمّال أنّه “لا يجوز المساس بجسد الإنسان والذي هو خارج نطاق التجارة”.
يشدّد رمّال خلال حديثٍ لـ”لبنان24″ على أنَّ القانون اللبناني الذي منع المتاجرة بجسد الإنسان يحرّم تمامًا عملية تأجير رحم مقابل بدل(مادة ٣٠ من قانون الآداب الطبية)، إذ يشير إلى أن التعريف الواقعيّ لهذه العملية يتمثلُ بتأجيرِ إمرأةٍ لرحمها من خلال زرعها داخله أجنة الزوجين مقابل بدل مادي، وهذا ما هو محرّم قانونًا، على عكس العمليات الأخرى المساعدة للإنجاب والتي سمح به القانون، تحت شروط معينة.
إشكاليات عديدة يطرحها رمّال خلال حديثه، موضحاً أنَّ هكذا عمليات قد ينشأ عنها عقبات عديدة تتمثل بشعور الأم البديلة بالحنان تجاه المولود وتخلّفها عن تسليمه للأهل، أو تعرّضها لأي مضاعفات خلال ولادتها طارحًا تساؤلاً يتمثل في التالي: “من يضمن صحّتها؟ ومن يتحمل مسؤولية مضاعفاتها خاصة إذا أدت لموتها؟:,
لا يخفي رمال خوفه من تشريع الموضوع، مشيراً إلى أن الأمور قد تتطور لتصبح عمليات تجارة بالبشر، والأطفال، وهذا ما لا يستطيع أحد أن يوقفه، مستطرداً: “في فرنسا مثلاً وفي ظلِّ أنها بلد علماني لم تشرّع بعد هذه العملية نسبة للضوابط الأخلاقيّة. الدول التي لم تدخل في قوننة تلك العمليات تذهب نحو معاقبة الوسائط بإتمام هذه العملية أي الأطباء قبل أن تعاقب الزوجين”.
أما عن حل إشكالية تسجيل المولود في حال إتمام العملية، خاصة وأن المستشفيات في لبنان تمتنع عن تسجيل المولود فيشير رمّال إلى أن”الولد يُعتبر بمثابة المتبنى في هذه الحالة، ولا يمكن تشريع أيّة طريقة أخرى كمسألة تأجير الأرحام، وهذا ما هو معتمد في فرنسا أيضاً”.
على العموم تبقى مسألة تأجير الأرحام مسألة متشعبة إذ تُطرح من خلالها العديد من الإشكاليات التي قد تفتح الأبواب على ملفات متعددة تبدأ بالإتجار بالبشر، وبيع الأرحام، وغيرها الكثير من المواضيع المنافية للحقوق الإنسانية. فهل يستطيع القانون اللّبنانيّ أن يطرح تشريعًا يضمن هذه العملية، مع الاخذ بعين الاعتبار اولوية رأي الدين، ويحدّها لكي لا تشكّل خطرًا على الحياة الإنسانيّة كما يحدث في الدول الفقيرة تمامًا؟!
لبنان24