اخبار عربية

هل من مخرجٍ من هذه الحرب الأبديّة؟

منذ بدأ تنظيم الجهاد الإسلامي هجماته على المستوطنين والجنود من الضفة الغربية إلى غزّة، أدرك الخبراء بالمشهد الفلسطيني أنّ دور “حماس” قادم. ففي الشهور الماضية أتى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ومسؤولون آخرون من “حماس” إلى لبنان مراراً للاجتماع بالأمين العام وبمسؤولين إيرانيين، يُنعمون على لبنان بالزيارات المستمرّة.

كان الإيرانيون يقنعون “حماساً” بالانضمام إلى القتال تحت شعار توحيد الساحات. وبالطبع ما قصّرت الحكومة الإسرائيلية وأعضاؤها المتطرّفون في استثارة الفلسطينيين بغزوات المسجد الأقصى والقرى والمخيّمات وقتل الناس بشكلٍ شبه يومي. فالأسباب حاضرة للحرب دائماً، بل إنّ الاحتلال نفسه سببٌ كافٍ للحرب.

بدأت المعركة هذه المرّة بشكلٍ جديد. فمن سنوات ما عادت المستوطنات في “غلاف غزّة” تتعرّض للهجوم إلا بالصواريخ والمدفعية. أمّا هذه المرّة فللحرب سمات جديدة: تقع يوم السبت مثل حرب الغفران عام 1973، وتتعرّض إسرائيل لقصف بخمسة آلاف صاروخ، ويقتحم المقاتلون الفلسطينيون المستوطنات في غلاف غزّة فيقتلون ويأسرون، ويكون الإسرائيليون هم الذين يُهجَّرون من مستوطناتهم المغتصبة. ومن الجديد في الحرب أيضاً أنّ الجيش الإسرائيلي واستخبارات الدولة العبرية فوجئا وما كانا مستعدّين، بدليل أنّ المقاتلين استولوا بسهولة نسبيّة على المستوطنات التي تكون في العادة محروسةً جيّداً، إضافة إلى أنّ السكّان مسلَّحون ومدرَّبون رجالاً ونساءً. بعد ساعتين من نشوب القتال ظهر المقاتلون الحريصون على التصوير كأنّما هم سيّاح في بلداتٍ خالية بعد مشاهد سريعة عن الهروب الكبير.

ما هي النتائج المتوقَّعة؟

غير المتوقَّع كان سقوط مئات القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين. وغير المتوقَّع أنّه بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب ما يزال المقاتلون في المستعمرات ويقاتلون الجيش الإسرائيلي من بيتٍ إلى بيت.

أمّا المتوقَّع فهو أن تقع خسائر كبيرة في صفوف المقاتلين، وفي صفوف المدنيين في غزّة وفي المباني والعمران.

المتوقَّع أيضاً أن لا تنتهي الحرب بسرعة لأنّ المحتلّين يريدونها هذه المرّة درساً لا يُنسى.

المتوقَّع أيضاً وأيضاً أن يكون الصوت الإيراني هذه المرّة أعلى في وقف الحرب بمقابل أو في استمرارها. هناك أحاديث عن تنسيق إيراني مصري، ولا أدري لماذا لا أُصدّق هذا الحديث. فالإيرانيون حريصون على أن لا يكون لغيرهم أيّ دورٍ في القضية الفلسطينية، وفي القتال بالطبع لا في السلام! لذلك سيتواصل الأميركيون مع نصر الله ومع الإيرانيين استخباراتياً، وتحت النيران يكون التفاوض بطيئاً أو سريعاً. فمنذ أشهر يصرّح الإسرائيليون أنّ حرب تنظيم الجهاد عليهم هي حرب إيرانية. وبواسطة أطراف، منها المصريون، حرص الإسرائيليون على إبقاء “حماس” بعيدةً عن المعركة أو الحرب خلال الشهور الماضية.

بعد وقائع السبت والأيام القليلة المقبلة، سنشهد أو بدأنا نشهد تضامناً عالمياً مع إسرائيل. فحتى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حفظه المولى تضامن مع الدولة العبرية، وهو يعلم أنّها أرضٌ محتلّة مثلما يحتلّ الروس أرضه.

هل هناك رؤوسٌ باردةٌ، إذا صحَّ التعبير، يمكن أن تفكّر في إنهاء هذا المشهد الدامي المستمرّ منذ مئة عام؟

منذ السبعينيات من القرن الماضي صار الفلسطينيون وحدهم، ومنذ ثلاثة عقود على وجه التقريب، أي بعد سقوط اتفاق أوسلو، ازداد النفوذ الإيراني في الملفّ، وبخاصّةٍ بعد انفصال غزّة عن بقيّة فلسطين عام 2007 حيث صارت السلطة في غزّة بيد “حماس” ونظائرها. ومنذ عامٍ وأكثر تعرّض الفلسطينيون للوطأة الثقيلة للاحتلال، وذهبوا مراراً إلى مجلس الأمن، وما تقدّم الملفّ خطوةً واحدةً، ولا صار هناك تضامن دولي من أيّ نوع.

نهاية السلطة الفلسطينية

السلطة الفلسطينية في نهاية عهدها، حيث أزالت المرارات لدى الشعب الفلسطيني كلّ شعبيّةٍ لها. وقبل ساعاتٍ من نشوب المعركة الأخيرة، كان شبّان فلسطينيون في قرية حوّارة (في الضفّة الغربية، محافظة نابلس) التي غزاها المستوطنون والجيش، يشكون من أنّ الشرطة الفلسطينية اشتبكت معهم لمنعهم من مواجهة الغزاة كما قالوا.

أوردت وكالات الأنباء خبراً مفاده أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن وافق على منح مساعدات عسكرية عاجلة لإسرائيل.

لقد كان المنتظَر ما دامت الولايات المتحدة تعرض نفسها وسيطاً (محايداً!) في النزاع، أن تنتهز الفرصة ليس لمساعدة المحتلّ الذي لا يحتاج بالتأكيد إلى سلاح، بل لدعوة الطرف الإسرائيلي المحتلّ إلى العودة إلى التفاوض من أجل استعادة أوسلو وتحقيق السلام على أرض فلسطين.

منذ انفصال غزّة عام 2007، تحصل حربٌ بين تنظيماتها والجيش الإسرائيلي كلّ سنتين. وفي كلّ حربٍ تكون الخسائر الفلسطينية أكبر بما لا يقاس. وفي آخر الحروب تهدّم نصف القطاع، ومن سنوات ما عاد القطاع إلى عمرانه المعهود، على الرغم من كلّ المساعدات. إذ حتى إعادة بناء المساكن تحتاج إلى أذون إسرائيلية. وفي كلّ حربٍ مهما بلغت خسائرها تزداد شعبية “حماس” والتنظيمات الأخرى المشارِكة.

إلى متى يستمرّ عذاب الشعب الفلسطيني؟

ومتى تنتهي هذه الحرب الأبدية على مقدّسات فلسطين وعلى أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها؟

كلّ حياة الفلسطينيين إرغامات. إرغام الاحتلال، وإرغام التبعية، وإرغامات الحياة اليوميّة، أفلا من فرصة للتحرّر غير الموت؟!

رضوان السيد – أساس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى