اقتصاد

مصرف لبنان يزّف خبر رفع احتياطه: هل تُوزّع الأموال على المودعين

مؤشّران إيجابيّان، سجّلهما الواقعُ النقدي والمالي في البلد، على رغم استمرار الأزمة المالية والإقتصادية، وتجاوزها عامها الرابع. المؤشر الأول تمثّل بارتفاع احتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية بقيمة 425 مليون دولار أميركي، ليصبح الحجم الإجمالي 9 مليار دولار، وهي المرّة الأولى التي تسجّل ميزانية المركزي هذا الإرتفاع منذ بدء الأزمة. والمؤشّر الثاني هو الإستقرار في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، على رغم ما تشهده الجبهة الجنوبيّة من “ميني حرب” يوميّة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي. علمًا أنّ بورصة الدولار، قبل آذار الماضي، كانت تتقلّب صعودًا وهبوطًا على وقع التطورات في البلد، وكان الدولار يحلّق عند أيّ خبر سلبي، اليوم رغم الإعتداءات الإسرائيلية واستمرار الأزمة السياسية، بقي الدولار بمنأى عن كلّ مجريات الداخل والخارج.  

يقودنا ذلك إلى سؤالين، الأول يتعّلق بأهميّة ارتفاع احتياطي المركزي وانعكاسه على الواقع المالي والإقتصادي، ومدى ارتباط ذلك بحلّ أزمة الودائع. والثاني بمصير الدولار، في حال عادت الجبهة الجنوبية ملتهبة ، أو تطوّر نطاقها نحو حرب أشمل، هل يعود الدولار إلى التحرّك صعودًا؟
“ما لم يُستثمر الإحتياطي بالعملة الاجنبية لدى مصرف لبنان في خدمة الإقتصاد، لجهة تحقيق الاستقرار الإقتصادي والنقدي، وسلامة القطاع المصرفي، وتمويل الدولة بحاجاتها الضرورية جدًا، هذا يعني أنّ الإحتياطي هو نقمة وليس نعمة” يقول الخبير في المخاطر المصرفيّة الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ “لبنان 24″ لافتًا إلى أنّ رقم الإحتياطي من العملات الأجنبية لدى المركزي لا يشكّل بحدّ ذاته حلًا، بدليل أنّ مصرف لبنان كان يملك حوالي 30 مليار دولار في آذار 2020، عندما قرّرت حكومة حسان دياب التوقّف عن الدفع. بعد ذلك سقطت مقولة عدم المس بالإحتياطي، من خلال أداء المركزي مدفوعًا بقرار من السلطة السياسية، بدا ذلك جليًّا في الدعم العشوائي الذي حصل عام 2021 لكل الاستيراد، بحيث تمّ تبديد 22 مليار دولارعلى سياسة الدعم، وهذه جريمة بحق الوطن، حاضرًا وفي السنوات العشرين المقبلة”.

رفع احتياطي المركزي يساهم في ردّ الودائع؟
احتياطي مصرف لبنان بالعملة الاجنبية بالجزء الذي نسميّه “احتياطي إلزامي” والذي كان سابقًا 15% من  حجم الودائع بالعملة الاجنبية، أصبح 14% من حجم الودائع بالدولار المحلي بعد نكبة السابع من آذار 2020، وهذه السيولة كان يجب أن تكون لدى المؤسسات المصرفية، ولكن تمّ الإستيلاء عليها، وكانت عبارة عن شبه ضريبة فرضها المركزي. واليوم توافر السيولة لدى المركزي، لا يعني أنّ الأموال ستعود إلى أصحابها أي إلى المودعين، يلفت فحيلي “بدليل أنّ اشتداد الأزمة بين المودعين والمصارف حصلت، بينما كان في جعبة مصرف لبنان حوالي 15 مليار دولار. بالمقابل يمكن لهذه التوظيفات أن تخدم البدء بإعادة أموال المودعين بقرار من المجلس المركزي، والحاكم بالإنابة الدكتور وسيم منصوري ليس بحاجة لقانون لتطبيق ذلك. إذا كان ملتزمًا بعدم استعمال ما تبقّى من الإحتياطي الإلزامي، يمكن له أن ينطلق من صلاحياته، دون أن ينتظر الفرج من السلطة السياسية، وقد فعلها الحاكم السابق رياض سلامة من قبله بتوجيه الإحتياطي نحو الدعم العشوائي، لماذا لا يُفرج اليوم عن أرصدة الإحتياطي لمصلحة المودعين وتمكينهم من الوصول إلى مالهم؟ في الوقت نفسه يجري العمل على تفعيل هيئة الرقابة على المصارف، وتطبيق التعميم 154 بإخراج المصارف العاجزة عن الإمتثال لأحكامه من السوق، وإبقاء المصارف القادرة على تمويل الإقتصاد”.  
هل يصمد دولار الحرب؟
جملة عوامل تكاملت وأدّت إلى استقرار في سعر صرف الدولار منذ آذار الماضي، أبرزها ما نشهده من ثبات في أداء السلطتين السياسية والنقدية، فضلًا عن أنّ مصرف لبنان بات اللاعب الأساسي في السوق الموازي والبائع الأول والأقوى، كما أنّ حجم طلبه للدولار بات معروفًا من قبله ومن قبل السوق. بالتوازي انكفأت مكونات القطاع الخاص بفعل دولرة الإقتصاد، وباتت تتعامل بالدولار بالقبض والصرف، يلفت فحيلي مستبعدًا أن يعاود الدولار مسار الصعود في حال توسّعت الحرب جنوبًا “هناك احتمال كبير أن تعود العقارب إلى الخلف على وقع أيّ خضة في البلد. وقدرة المركزي على الحفاظ على هذا الإستقرار، من دون استعمال احتياطه بالعملات الأجنبية، متوقّف على نوعية القرارات التي يمكن أن تتخذها السلطتان النقديّة والسياسيّة. أمّا احتمال نشوب حرب واسعة بين لبنان واسرائيل لا يزعزع سعر الصرف، لأنّ الحرب تُحدث انكماشًا حادًا في النشاط الإقتصادي، بما ينعكس تراجعًا في الطلب على الدولار. وفي أوقات الحرب يتفاعل الإغتراب تضامنيا وترتفع تحويلاته. من هنا أرى استمرارًا في هذا السعر، ولكن بشكل ظرفي وليس مستدامًا، كون استقرار السعر رهن الاصلاحات، التي تشمل إعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، تفعيل الرقابة على المصارف، دعم المؤسسات المصرفية القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد”.

اطلقوا ورشة إعادة الثقة
بظل عدم الثقة في المنظومة المصرفية، يتمدّد الإقتصاد النقدي مع ما يشكّله من مخاطر كبيرة على البلد، كادت أن تزّج به في القائمة السوداء أو الرمادية لمجموعة العمل المالي، لجهة اعتباره أرضًا خصبة للتهرب الضريبي وتبيض الأموال “المؤشر الأهم للتعافي في الاقتصاد الوطني يبدأ بتقليص حجم الدولرة في التبادل التجاري، وحجم التبادل التجاري في الاوراق النقدية” وفق فحيلي، الذي أضاف أنّ التعامل النقدي هو سبب أساسي لعدم نجاح أيّ منصّة إلكترونية “الممر الإلزامي للاستقرار النقدي، لا يتحقّق من دون إعادة ترميم الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي. لا بدّ من أن تعيد المؤسسات التجارية توطين رواتب العاملين لديها في المصارف، ويتخلّى المواطن عن الكاش لصالح استخدام وسائل الدفع المصرفيّة. وهذه العوامل لا تحتاج إلى رأسمال، بل إلى مزيج من القرارات الواضحة من قبل السلطة صاحبة الإختصاص، سواء مصرف لبنان أو السلطة السياسية، بدءًا باستكمال التعيينات في الجهات الرقابية، بما يمكّن لجنة الرقابة من ممارسة مهامها الرقابيّة على المؤسسات المصرفيّة الماليّة وشركات الصيرفة، بعيدًا عن سلطة مصرف لبنان، بما فيها هيئة التحقيق الخاصة. فضلًا عن وجوب دعم المصارف القادرة على الاستمرار بخدمة الاقتصاد، وإصدار قوانين لتمكينها من تمويل الإقتصاد، وتصويب آلية تسديد القروض. هذا العمل لا يحتاج أموالًا لتنفيذه، بل إرادة وقانون. في حال تحقّق ذلك، تصبح عندها زيارة اللبناني إلى المصرف مصدر اهتمام بدل أن تكون مصدر هم، وتنطلق عجلة إعادة ترميم الثقة بالقطاع المصرفي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى