أخطر ما يصيب “التيار الوطني الحر
“ليبانون ديبايت” – محمد المدني
أخطر ما يمكن أن يصيب فريقاً سياسياً، هو أن يتحوّل إلى مادة للتهكم. هذا ما يحدث ل”التيار الوطني الحر” أخيراً، إذ لم يعد التيار معزولاً فقط بل بات عرضةً للتنمّر والإستهزاء من قبل غالبية السياسيين في لبنان، وهذا مردّه إلى عدة أسباب تُسأل عنها قيادة التيار حصراً.
بدايةً، لا بدّ من التأكيد أن التيار ليس بخير، وبات معلوماً أن التململ والقرف يخيّمان على قواعد التيار الشعبية والحزبية، وهذا نتيجة الضياع وعدم التماسك السياسي لقيادته وما سبّبته من هزائم وسوء خيارات جعلت من التيار لاعباً سياسياً تائهاً غير قادر على مجاراة الواقع السياسي الراهن، لا سيّما وأنه ترأس السلطة على مدار ستة أعوام، كانت الأسوأ في تاريخ لبنان.
ولعل جلسات مناقشة موازنة العام 2024 أظهرت بوضوح ما تضمّنته الأسطر أعلاه، فقد ظهر بعض نواب التيار بحالةٍ من الضياع، أقصى ما قدّموه هو رمي المداخلات بخفّة يميناً ويساراً سعياً وراء الإثارة، حتى اضطر حليفهم النائب فيصل كرامي، إلى وضعهم عند حدّهم لعدم التزامهم بأدبيات العمل السياسي مع رئيس الحكومة.
واللافت في الجلسة أيضاً، هو الوهن الذي أصاب إطلالات رئيس التيار جبران باسيل، الذي حاول من خلال نزوله إلى الجلسة، أن يخلق حدثًاً سياسياً عبر طرح اقتراح قانون للموازنة بدل مشروع الحكومة والتهديد بالإنسحاب من القاعة في حال عدم قبوله، لكنّ خطاب جبران باسيل مرّ بشكل عادي جدّاً على غرار خطاب أي نائب من النواب الآخرين، لعدم تضمّنه أي جديد وعدم قدرته على إتمام “مسرحية” الإنسحاب من القاعة. فرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يترّدد بمقاطعة باسيل مراراً بأسلوبه المتهكمّ”، تقصّد الإنتقال فوراً إلى الخطيب الثاني عند إنتهاء كلمة باسيل من دون أي تعليق، ما أجهض فكرة الإنسحاب من القاعة. وبعدما مكث باسيل في مكانه يستمع إلى النائبة غادة أيوب لبعض الوقت، والتي عالجته بإصابة مباشرة، ردّاً على كلمته عندما استهلّت خطابها بعبارة “انقلب السحر على الساحر”، عاد وانسحب بهدوء ومن دون ترك أي وقع على مجريات الجلسة.
وعلى قاعدة “إذا خليت بليت”، ظهر النواب الياس بو صعب وابراهيم كنعان وآلان عون، ليحفظوا ماء وجه التيار طوال فترة عقد الجلسات، فبالإضافة الى الدور اللافت والمحوري الذي لعبوه خلال الجلسة التشريعية لمناقشة القانون وتعديلاته، فقد تضمّنت مداخلاتهم في اليومين الأولين، خطاباً سياسياً حاداً إنما دون أن يتعرضوا لما تعرض له زملاؤهم في التيار.
فبو صعب كان الممثل الفعلي لقضايا التيار في مجلس النواب، وهو من تصدّى لتجاوزات الرئيس ميقاتي والدفاع عن صلاحيات وزير الدفاع. أمّا كنعان ورغم كشفه معلومات هامة تتعلق بمالية الدولة وعمل لجنة المال والموازنة، ورغم أنه أصاب بسهامه الحكومة ورئيسها، إلاّ أنه نال تقدير غالبية أعضاء المجلس الذين قدروا عمل اللجنة في تصحيح كوارث الموازنة المرسلة من الحكومة. أمّا آلان عون فقد خصّص جزءاً من خطابه للإستحقاق الرئاسي ووجّه رسائل ملغومة التقطها كلّ من في القاعة، دون أن يتعرض للمقاطعة ولا للمهاجمة.
أتت جلسة الموازنة، لتؤكد المسار الإنحداري الذي يسلكه “التيار الوطني الحر” بعد نهاية العهد وتقاعد الرئيس ميشال عون وانكشاف قدرة باسيل على قيادته من دون الإمتياز الذي كانت تؤمّنه له السلطة وفي ظلّ عجزه عن امتلاك الحجّة والرؤية والصفات القيادية المطلوبة، التي تسمح له بأن يعكس تراجع التيار المستمرّ.