لمصلحة من تفريغ لبنان
من الضروري إجراء مراجعة أساسية اليوم حول قرار الحرب والسلم في لبنان. وقد ذكرنا مراراً انّ سلاح المقاومة حَرّر الجنوب ودافع عن لبنان في محطات عدة، وحتى في 7 أيار 2008، اعتبرنا أنه دفاع مُحق عن سلاح المقاومة. ولكن ذكرنا ايضاً انّ على لبنان ان لا يتدخل في قضايا الآخرين لأنّ ذلك يجلب له الاذى من دون تأثير على مسارها.
ومع الأسف في وضعنا الحالي لا نوافق أبداً على تدخّل المقاومة في ما يجري في غزة، ونعتبر انّ خسارة الدماء التي سقطت وتدمير الممتلكات والأرزاق لم ينتج منها للأسف أي إفادة لغزّة وللقضية الفلسطينية.
انّ خصوم المقاومة في لبنان ذكروا مراراً انها أخذت لنفسها قرار الحرب والسلم، وانّ تدخّلها اليوم لدعم غزة أعطاهم الذريعة لتأكيد هذا الاعتقاد. ونأمل في انّ المقاومة، حفاظاً على سلامة لبنان الداخلية والخارجية، ستمتنع عن الانفراد بقرار الحرب والسلم مهما كانت الظروف لكي يتمكن الجميع من مناصرتها ودعمها في حال التعدي على لبنان، علماً انّ استمرار ما يجري فيه يُعتبر كلفة اقتصادية كبيرة. فبالاضافة الى الاضرار المباشرة وسقوط الشهداء المدنيين والمقاتلين وهم من خيرة الشباب، يضرب الشلل الاقتصادي كل لبنان، فتوقفت الاستثمارات والمشاريع. ويأتي ذلك ليضيف أزمات الى اقتصاد لبنان المتعثر أصلاً، فأصبح اليوم الهدف الاساسي للكثيرين هو الهجرة من هذا الوطن، فلمصلحة مَن تفريغ لبنان من مواطنيه؟
نكرر انّ هذا البلد لا يملك القدرة على خوض معارك الآخرين، ومن الخطأ التورّط في اية نزاعات حتى لو كان الاقتصاد سليماً (حبذا)، ولكن على العكس اقتصادنا غير قادر على تأمين الحقوق وفُرَص العمل المنتجة لمواطنيه.
وعلينا أن نتنبّه جميعاً من وجود طوابير خامسة تودّ جَرّنا الى مواجهات هدفها الاذى للبنان على كل الصعد، وتستهدف زجّنا في خلافات داخلية وخارجية. وبالتالي، نأمل من الجميع ومنهم المقاومة ان يتمتعوا بالحكمة الكافية لمنع هذا المخطط.
ويبقى أمامنا تحد كبير هو ان نحقّق انصهار المجتمع ليسوده التآخي رغم اختلاف المعتقدات، لنعيش بعضنا مع بعض وليس الى جانب بعضنا البعض بطريقة مصطنعة. وهذا يبدأ بإقرار قانون للزواج المدني، والبدء من المدارس لخلق تمازج بين طوائف المجتمع، وتحقيق الحوار المتجرّد من الاحكام المسبقة، وتَفهّم مخاوف الآخر وتطلعاته.
كما تبقى المعركة الكبرى، والتي إن ربحناها، نضمن ازدهار لبنان وقوته الاقتصادية، وهي إقرار الشفافية المطلقة وتطبيقها تطبيقاً كاملاً في كل تفاصيل الحياة العامة.
فادي عبود – الجمهورية