اقتصاد

هيكلة المصارف ورد الودائع: “كل مين فاتح على حسابه

من جملة المواضيع التي أثارها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، استفاقة على ملفات شائكة تندرج تحت بند المحظورات التي يخشى اي مسؤول مصارحة الرأي العام بحقيقتها ومآلها.

تحت هذا التوصيف، يندرج ملف العلاقة مع صندوق النقد الدولي، بعد مضي عامين على توقيع الاتفاق الاولي معه، وملف هيكلة المصارف واستعادة الانتظام المالي، ورد الودائع، وتوحيد سعر الصرف وما يترتب عنه على القطاع المصرفي من جهة وعلى الاقتطاع الجاري لأموال المودعين.

في الجلسة، قرر ميقاتي توجيه رسائل في السياسة لمتهميه بتجاوز صلاحيته كحكومة مستقيلة، فأجرى جردة بالملفات التي تعكف حكومته على إنجازها، ولكن من دون ان يقدم أي خطوات عملية تعكس التزاماً فعلياً بالإنجاز، ما جعلها مرة جديدة عرضة للانتقاد.

كشف ميقاتي في إثارته لمشروع قانون هيكلة المصارف، ان الملف يدرس بهدوء وعندما تكتمل عناصره ستتم الدعوة إلى اجتماع وزاري لدرسه وفق رؤية تنظيمية واضحة يتبناها الجميع، نافياً ان يكون هذا الملف قد طوي. وفي الترجمة العملية لهذا الكلام ان المشروع الذي رُفع إلى مجلس الوزراء قبل نحو سبعة اسابيع أحيل إلى لجنة وزارية لبحثه بعدما قوبل بحملة اعتراضات.

والمفارقة انه في الوقت الذي يتحدث فيه رئيس الحكومة عن مشروع حكومته، ثمة اقتراحات اخرى لقوانين تقدم بها نواب، بدأت مع الاقتراحين المقدمين من نواب “حزب الله” والنائبين علي حسن خليل وناصر جابر، تم دمجهما بعد دراستهما في لجنة الادارة والعدل ورُفعا الى الهيئة العامة، واقتراح قانون مقدم من نواب في كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها رئيس المجلس نبيه بري في الموضوع عينه، كان وضع مسودته رئيس مجلس الشورى القاضي فادي الياس وتبنته الكتلة. ورغم تعدد الاقتراحات والمشاريع، فإن النتيجة واحدة طالما ان الهدف واحد ويرمي إلى تحميل المودعين النسبة الأكبر من الخسائر!

وفي حين لم تبت الحكومة او المجلس النيابي أي قانون سيتم السير فيه، رغم مضي خمسة أعوام على انفجار الأزمة المالية، فقد جاء كتاب وزير المال إلى مجلس الوزراء اول من امس ليفضح التوجه الخبيث الذي تتم من خلاله مقاربة ملف الودائع، اذ بدا واضحاً ان “كل مين فاتح على حسابه”. فوزارة المال تلقت كتباً من ٣ جهات رسمية هي الهيئة العليا للإغاثة، مجلس الإنماء والإعمار، ومؤسسة الجيش ، تطلب تحرير أموالها من المصارف، ولكل منها اسبابها المتصلة بقروض او هبات او تغطية حاجات ملحة. وقد قرر مجلس الوزراء “اجراء المقتضى بالتنسيق مع مصرف لبنان”، ما يدفع إلى السؤال، هل قررت الحكومة ان تتعامل مع الاموال المودعة في المصارف “على القطعة”، فتعطي الاولوية لهذه الهيئات الرسمية على حساب ودائع الناس، ما يشي بالتالي إلى ان مسألة رد الودائع لا تزال بعيدة المدى، ولن تتبلور ملامحها قبل ان يتبخر الجزء الأكبر منها، وقد تم حتى الآن اقتطاع قسري منها تجاوز نسبة ٣٠ في المئة؟

الثابت حتى الآن ان التوجه الرسمي يرمي تحرير اموال عائدة إلى جهات رسمية او حكومية ولكن لم يتضح بعد بأي عملة سيتم الرد ووفق اي سعر صرف، وبأي سرعة سيتم التعامل مع هذه الجهات، وما إذا كانت وحدها تحتل الاولوية على حساب مؤسسات او جهات اخرى مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. علماً انه لا يمكن اغفال حاجة الجيش، او حتى الهيئة العليا للإغاثة التي يُنظر إلى مسؤوليتها اليوم في مساعدة ابناء الجنوب نتيجة الأضرار والخسائر فيه بفعل الحرب، في ظل غياب اي آمال بمساعدات للاعمار رغم مساع يجريها ميقاتي مع الامم المتحدة لدعوة الدول المانحة لدعم اعادة الإعمار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى